والثانى أن تكليفهم بالاجتهاد يؤدى الى تفويت معايشهم واستضرارهم بالاشتغال لتحصيل أسبابه وذلك سبب لفساد الاحوال فيكون القول به باطلا.
أما المجتهد فلا يجوز له الاستفتاء بعد الاجتهاد اتفاقا ولا قبله على المختار عند الامام وأتباعه لانه مأمور بالاعتبار أى الاجتهاد لقوله تعالى «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ» فانه عام شامل للعامى وللمجتهد، وترك العمل به بالنسبة الى العامى لعجزه عن الاجتهاد فيبقى معمولا به فى حق المجتهد وحينئذ فلو جاز له الاستفتاء لكان تاركا الاعتبار المأمور به وتركه لا يجوز.
[مذهب الحنابلة]
جاء فى روضة الناظر أنهم اتفقوا على أن المجتهد اذا اجتهد فغلب على ظنه الحكم لم يجز له تقليد غيره وعلى أن العامى له تقليد المجتهد.
فأما المتمكن من الاجتهاد فى بعض المسائل ولا يقدر على الاجتهاد فى البعض الا بتحصيل علم على سبيل الابتداء كالنحو فى مسألة نحوية وعلم صفات الرجال فى مسألة خبرية فالاشبه أنه كالعامى فيما لم يحصل علمه فانه كما يمكنه تحصيله فالعامى يمكنه ذلك مع المشقة التى تلحقه.
انما المجتهد الذى صارت العلوم عنده حاصلة بالقوة القريبة من الفعل من غير حاجة الى تعب كثير. بحيث لو بحث عن المسألة ونظر فى الادلة استقل بها ولم يفتقر الى تعلم من غيره فهذا المجتهد هل يجوز له تقليد غيره.
قال أصحابنا ليس له تقليد مجتهد آخر مع ضيق الوقت ولا سعته لا فيما يخصه ولا فيما يفتى به لكن يجوز له أن ينقل للمستفتى مذهب الائمة كأحمد والشافعى ولا يفتى من عند نفسه بتقليد غيره لان تقليد من لا تثبت عصمته ولا تعلم اصابته حكم شرعى لا يثبت الا بنص أو قياس ولا نص ولا قياس اذ المنصوص عليه العامى مع المجتهد وليس ما اختلفنا فيه مثله فان العامى عاجز عن تحصيل العلم والظن بنفسه والمجتهد قادر فلا يكون فى معناه.
فان قيل هو لا يقدر على غير الظن وظن غيره كظنه.
قلنا مع هذا اذا حصل ظنه لم يجز له اتياع ظن غيره فكان ظنه أصلا وظن غيره بدلا فلا يجوز اثباته الا بدليل ولانه اذا لم يجز مع القدرة عليه كسائر الابدال والمبدلات.