للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإنكار في البيوع]

[مذهب الحنفية]

جاء في (بدائع الصنائع): ولو ادعى على رجل أنه اشترى منه عبدًا بعينه والعبد في يد البائع، فأنكر البائع البيع فأقام المشترى البينة وقضى القاضي به، ثم وجد به عيبًا فأراد أن يرد على البائع فأقام البائع البينة على أن المشترى كان أبرأه عن كل عيب لم تسمع دعواه ولا تقبل بنيته؛ لأن إنكار البيع يناقض دعوى الإبراء عن العيب؛ لأن الإبراء وجود البيع فكان مناقضًا في دعوى الإبراء، فلا تسمع (١).

وفى (حاشية ابن عابدين): وإن أنكر البيع فأثبته المشترى فادعى البائع الإقالة تُسمع، قال في (العدة)، أنكر البيع فبرهن عليه المشترى، فادعى البائع إقالة يُسمع هذا الدفع، ولو لم يدع الإقالة ولكن ادّعى إيفاء الثمن أو الإبراء اختلف المتأخرون. وقد يجاب بأن المقر إنما يصير مكذبًا شرعًا إذا حكم القاضي بما يخالف إقراره، وفى مسألتنا لم يقض بالبيع حتى تناقض الخصم فلم يكن مكذبًا شرعًا (٢).

وجاء في (بدائع الصنائع): لو اختلف البائع والمشترى في قدر الثمن بأن قال البائع: بعت منك هذا العبد بألفى درهم، وقال المشترى: اشتريت بألف، فهذا لا يخلو إما أن تكون السلعة قائمة. وإما أن تكون هالكة، فإن كانت قائمة فإما أن تكون قائمة على حالها لم تتغير، وإما أن تتغير إلى الزيادة أو النقصان. فإن كانت السلعة قائمة على حالها لم تتغير تحالفا وترادا سواء كان قبل القبض أو بعده، أما قبل القبض فلأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه من وجه، لأن البائع يدعى على المشترى زيادة ثمن وهو ينكر، والمشترى يدعى على البائع تسليم المبيع إليه عند أداء الألف وهو ينكر، فيتحالفان، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "واليمين على من أنكر" (٣).

وأما بعد القبض فكان ينبغى أن لا يحلف البائع، ويكون القول قول المشترى مع يمينه؛ لأن المشترى لا يدعى على البائع شيئًا لسلامة المبيع له، والبائع يدَّعى على المشترى زيادة ثمن وهو ينكر، فكان القول قوله مع يمينه، إلا أنا عرفنا التحالف. وهو الحلف من الجانبين بنص خاص، وقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا" (٤).

وجاء في موضع آخر: وإن اختلفا في قدره - أي الأجل - فالقول قوله أيضًا، وإن اختلفا في مضيه مع اتفاقهما على أصله وقدره. فالقول: قول المشترى أنه لم يمض؛ لأن الأجل صار حقًّا له بتصادقهما فكان القول فيه قوله، وإن اختلفا في القدر والمضى جميعًا فقال البائع: الأجل شهر وقد مضى، وقال المشترى: شهران ولم يمضيا، فالقول قول البائع في القدر، والقول قول المشترى في المضى، فيجعل الأجل شهرًا لم يمضٍ، لأن الظاهر يشهد للبائع في القدر وللمشترى في المضى على ما مرَّ. (٥)


(١) بدائع الصنائع: ٦/ ٢٢٤.
(٢) حاشية ابن عابدين: ٧/ ٢٣.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) لم نجده مسندًا بهذا اللفظ. وقد نقل الحافظ ابن حجر عن الرافعى أن لفظة (تحالفا) لأذكر لها في شئ من كتب الحديث. وإنما توجد في كتب الفقه (انظر التلخيص الحبير: ٣/ ٣١، نصب الراية: ٤/ ١٣٢.
(٥) بدائع الصنائع: ٦/ ٢٦٢.