للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التعزير]

يقول ابن تيمية فى جرائم التعزير - المعاصى التى ليس فيها حد مقدر ولا كفارة كالذى يقبل المرأة الأجنبية أو يباشر بلا جماع أو يقذف فى الناس بغير الزنى أو يسرق من غير حرز أو شيئا دون النصاب أو يخون أمانته كولاة أموال بيت المال أو الأوقاف ومال اليتيم ونحو ذلك اذا خانوا أو كالوكلاء والشركاء اذا خانوا أو يغش فى معاملته كالذين يغشون فى الأطعمة والثياب ونحو ذلك أو يطفف المكيال والميزان أو يشهد الزور. أو يلقن شهادة الزور. أو يرتشى فى حكمه أو يحكم بغير ما أنزل الله أو يعتدى على رعيته. الى غير ذلك من أنواع المحرمات .. فهؤلاء يعاقبون تعزيرا وتنكيلا وتأديبا بقدر ما يراه الوالى على حسب كثرة ذلك الذنب فى الناس وقلته، فاذا كان كثيرا زاد فى العقوبة، بخلاف ما اذا كان قليلا وعلى حسب حال المذنب فاذا كان من المدمنين على الفجور زيد فى عقوبته بخلاف المقل من ذلك وعلى حسب كبر الذنب وصغره (١).

فالجرائم التعزيرية متفاوتة تفاوتا بينا ومتنوعة تنوعا كثيرا منها جرائم يكون الاعتداء فيها اعتداء مباشرا على المجتمع أو على أوامر الله ونواهيه من غير أن يكون ثمة اعتداء على شخص

معين كجريمة ترك الزكاة وترك الصلاة وترك الأذان من الجميع والاتفاق على تركه فان هذه الجرائم فيها اعتداء مباشر على الدين وعلى حقوق الله تعالى وعلى الجماعة والعقاب فيها يكون حقا لله تعالى. ولذلك لا تقبل الاسقاط‍ أو العفو الا أن يتوبوا لأن العقاب فيها للحمل على أداء الواجب والقيام به. وبالتوبة يتحقق ذلك.

وقد تكون الجناية على الأشخاص كالاتهام بالباطل والدعاوى الباطلة وكمطل الغنى والقذف بمثل يا فاسق يا آكل الربا. يا شارب الخمر ونحو ذلك. فان الاعتداء فى هذه الجرائم انما يقع على الأشخاص بالسب والتشهير. والعقاب عليها لحفظ‍ حرمات الناس المسلمين وأعراضهم.

ولا شك أن هذه العقوبة ليست حقا خالصا لله تعالى بل يكون للعبد الحق فى أن يطلب العقاب أو لا يطلبه وفى أن يسقطه بالعفو أو لا يسقطه بعد وجوبه.

ثم أن العقوبات التعزيرية التى ترك الشارع الأمر فى تقديرها لولى الأمر.

هل تعتبر فى فرضها وتوقيعها حقا لولى الأمر بحيث يكون له أن يفرض العقوبة وألا يفرضها وبحيث يسوغ له أن يهمل العقوبة على جريمة تعزيرية يمكن أن تدخل تحت القضاء ويجرى عليها الاثبات امام القاضى بطريق معتاد ليس فيه


(١) السياسة الشرعية لابن تيمية ص ١٢٠.