للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تجسس ولا هتك للاستار. أو لا يسوغ له ذلك. وحتى يمكن الجواب عن هذا التساؤل يجب تمييز الجرائم وتحديد أنواعها من حيث أثرها المباشر بالنسبة للأشخاص والمجتمع.

فهناك جرائم على الأفراد أى يقع الاعتداء فيها أول ما يقع على الأشخاص وتكون العقوبة فيها حقا لهم كالاعتداء بالسب والضرب على أشخاص وكأكل أموالهم بالباطل بطريق الغصب أو بطريق الاحتيال والابتزاز وهناك جرائم على الكافة أى يقع الاعتداء والضرر فيها على المجتمع كالاحتكار والمغالاة فى الأسعار والتجسس على الدولة والتقبيل وكشف العورة واتيان الأفعال الفاضحة فى الطرقات العامة أو أمام الناس ونحو ذلك من الجرائم التى يكون فيها الاعتداء على الناس وعلى النظام العام والآداب والفضائل الانسانية.

وهناك جرائم يتمثل فيها الأمران الاعتداء على الأشخاص والمساس بحقوق الكافة ومن ثم يجتمع فيها الحقان حق العبد وحق الله كالرمى بغير الزنى. وكالزنى الذى لا يثبت فيه الحد للتقادم مثلا - فان هذه الجرائم تكون العقوبة فيها حقا لله تعالى وحقا للعبد.

والمقرر أن الجرائم التى يكون فيها اعتداء على حق العبد سواء أكان معه اعتداء على حق الله تعالى أم لم يكن يجب على ولى الأمر أن يضع لها عقابا عادلا زاجرا شافيا لنفس المجنى عليه متى طلب منه المجنى عليه ذلك دفعا للظلم وتحقيقا للعدل بين الناس ومنعا للفوضى والفساد فى الأرض.

وقد اتفق الفقهاء على أن هذا واجب على الامام وليس من حقه أن يعفو فيها وانما العفو بيد صاحب الحق ان شاء عفا وان شاء طلب العقاب وأصر عليه. ولا يسقط‍ التعزير فى ذلك عن الجانى بالتوبة لأن حق العبد لا يسقط‍ الا برضاه وتسامحه.

أما الجرائم التى يتمحض فيها العقاب لغير حق العبد كالزنى الذى لم يستوف الاثبات فيه نصاب أربعة شهداء وكجرائم الحدود الأخرى التى لم تكتمل فيها البينة نصاب شاهدين وكالذى يعرف بالافساد وارتكاب الكبائر والمنكرات من غير أن يرتكب حدا من حدود الله تعالى، ففى هذه الجرائم وأمثالها مما تمس فيه الجريمة حق المجتمع وتتمحض العقوبة فيها حقا خالصا لله تعالى يختلف الفقهاء هل يكون العقاب فيها واجبا على الامام يتعين عليه أن يقيمه ولا خيار له فيه ولا يملك أن يعفو عن الجانى.

أم يكون العقاب حقا للامام له أن يعاقب وله ألا يعاقب؟ رأيان:

الأول: رأى جمهور الفقهاء. الحنفية والمالكية والحنابلة أن التعزيز واجب ويتعين على الامام اقامته ولا يجوز له أن يعفو فيه عن الجانى ولا أن يترك عقابه كما أنه لا يجوز لأحد كائن من كان أن يعفو فيه ولكن اذا تاب الجانى وأصلح سقط‍ عنه التعزير.