للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثانى رأى الشافعية: وهو أن التعزير ليس واجبا على الامام بل هو جائز له أن يفعله وألا يفعله لأنه تأديب وليس حدا فيتخير فيه كما يتخير فى تقدير العقوبة لما روى أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقال له: انى لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطأها فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أصليت معنا؟ قال نعم فتلا عليه «إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} (١)» ولقوله عليه الصلاة والسّلام فى الأنصار «اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» وقال رجل للنبى صلّى الله عليه وسلّم فى الحكم الذى حكم به للزبير بن العوام بسقى أرضه ولم يوافق هذا الحكم غرضه «ان كان ابن عمتك» فغضب النبى صلّى الله عليه وسلّم ولم يعزره .. وقال له رجل فى قسمة قسمها عليه الصلاة والسّلام «أن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله». وغضب النبى صلّى الله عليه وسلّم ولم يعزره.

واحتج الجمهور بأن ما كان منصوصا عليه من التعزير كالتعزير فى وط‍ ء جارية امرأته أو جارية مشتركة فيجب امتثال الأمر فيه وما لم يكن منصوصا عليه اذا رأى الامام بعد مجانبة هوى النفس المصلحة فيه أو علم أنه لا ينزجر الا به وجب عليه لأنه زاجر مشروع لحق الله فوجب كالحد.

وما علم أنه ينزجر بدونه لا يجب وهو محمل حديث الرجل الذى ذكر للنبى صلّى الله عليه وسلم ما أصاب من المرأة فانه لم

يذكره له الا وهو نادم منزجر لأن ذكره ما وقع منه للنبى ليس الا لمعرفة ما يجب فيه ليفعل معه.

وأما ما قاله فى الأنصار فليس مما نحن فيه بل هو فى حقوق العباد. اذ لا تجاوز للعباد فى حقوق الله تعالى.

وأما حديث الرجل الذى انتقد حكم النبى صلّى الله عليه وسلّم للزبير وحديث الرجل الذى انتقد قسمته عليه الصلاة والسّلام فترك التعزير فيهما لأنه حق النبى الخالص وليس فيه حق لله تعالى.

وقد تقدم أن حق العبد يجوز فيه العفو بالاتفاق.

جاء فى حاشية ابن عابدين على الدر المختار فى فقه الحنفية أن التعزير الذى يجب حقا للعبد كالصبى يشتم رجلا اذ الصبى غير مكلف بحقوق الله تعالى فلا يظهر فيه حق الله فكان خالص حق العبد. ولا شبهة فى سقوط‍ هذا بالاسقاط‍ من صاحب الحق (٢).

وجاء فيها أما التعزير الذى يكون فيه حق الله وحق العبد وحق العبد غالب كالتعزير الواجب بألفاظ‍ السب والشتم المنهى عنها شرعا فان فيه حق لله للنهى عنه وحق العبد للاعتداء عليه وهو غالب لحاجته فيجوز فيه الاسقاط‍ بالابراء والعفو من صاحب الحق. ولو عفا سقط‍ التعزير.

أما الذى يغلب فيه حق الله تعالى عند الحنفية


(١) الاية رقم ١١٤ من سورة هود.
(٢) حاشيه ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الابصار ص ٢٠٢ باب التعزير الطبعة السابقة.