للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد ترك كل فعل خالف القيام في حال قيامه.

ألا ترى أن من سافر فإنما يمشى إلى جهة واحدة وهو تارك لكل جهة غير التي توجه نحوها ولا يمكنه أن يتوجه إلى جهتين في وقت واحد بفعله نفسه.

ومن أورده اعتراضا على مذهبه قول القائل: قد يرد أمر ليس فيه نهى عن شئ أصلا وهو أمر الإباحة. (١)

وأجاب بأن أمر الإباحة معناه إن شئت افعل وإن شئت لا تفعل فليس مائلا إلى الأمر إلا كميله إلى النهى ولا فرق.

[رابعا: الزيدية]

نقل الشوكانى في إرشاد الفحول مذاهب الفقهاء في هذه المسألة (٢) وحرر الخلاف بين المعتزلة الذي حكاه الآمدى وابن الهمام فقال: (٣)

واتفق المعتزلة على أن الأمر بالشئ ليس نهيا عن ضده والنهى عن الشئ ليس أمرا بضده وذلك لنفيهم الكلام النفسى. ومع اتفاقهم على نفى كون كل واحد منهما عينا لإثبات ضده أو نفيه اختلفوا:

هل يوجب كل من الصيغتين حكما في الضد أم لا؟ أبو هاشم الجباتى ومتابعوه قالوا: لا يوجب شئ منها حكما في الضد بل الضد مسكوت عنه وأبو الحسين وعبد الجبار قالا: الأمر يوجب حرمة الضد. وفى عبارة أخرى عنهم يدل عليها وفى عبارة ثالثة عنهم يقتضيها.

وبعد أن حكى أقوال الرازى وموافقيه والقاضى أبى زيد وموافقيه قال:

وفائدة الخلاف في كون الأمر بالشئ نهيا عن ضده استحقاق العقاب بترك المأمور به فقط إذا قيل بأنه ليس نهيا عن ضده؛ أو استحقاقه بتركه وبفعل الضد إذا قيل بأنه نهى عن فعل الضد لأنه خالف أمرا ونهيا وعصى بهما. وهكذا في النهى.

ثم استوفى الشوكاني الكلام عن أدلة كل فريق وانهى البحث بقوله: (٤)

إذا عرفت ما حررناه من الأدلة والردود بها فاعلم أن الأرجح في هذه المسألة أن الأمر بالشئ يستلزم النهى عن ضده بالمعنى الأعم فإن اللازم بالمعنى الأعم هو أن يكون تصور الملزوم واللازم معا كافيا في الجزم باللزوم؛ بخلاف اللازم بالمعنى الأخص فإن العلم بالملزوم هناك يستلزم العلم باللازم. وهكذا النهى عن الشئ فإنه يستلزم الأمر بضده بالمعنى الأعم.

[خامسا: الإباضية]

يقول صاحب طلعة الشمس: (٥)

لا يدل الأمر بالشئ على النهى عن ضد ذلك الشئ المأمور به فلا يكون الأمر بالشئ نهيا عن ضده.


(١) المصدر السابق ص ٧٠
(٢) إرشاد الفحول من ١٠١
(٣) المصدر السابق ١٠٢
(٤) المصدر السابق ص ١٠٤
(٥) طلعة الشمس حـ ١ من ٥٦