للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النشوز لمرض بها أو كبر سن ورأت أن تصالحه بترك بعض حقوقها من قسم وغيره جاز لقول الله عز وجل: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا" (١) قالت عائشة رضى الله تعالى عنها أنزل الله عز وجل هذه الآية في المرأة إذا دخلت في السن فتجعل يومها لامرأة أخرى. فإن ادعى كل واحد منهما النشوز على الآخر اسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ليعرف الظالم منهما فيمنع من الظلم، فإن بلغا إلى الشتم والضرب بعث الحاكم حكمين للإصلاح أو التفريق لقول الله عز وجل: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بمنهما" (٢). واختلف قوله في الحكمين فقال في أحد القولين: هما وكيلان فلا يملكان التفريق إلا بإذنهما لأن الطلاق إلى الزوج وبذل المال إلى الزوجة فلا يجوز إلا بإذنهما، وقال في القول الآخر: هما حاكمان فلهما أن يفعلا ما يريان من الجمع والتفريق بعوض وغير عوض لقول الله عز وجل: "فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها" فسماهما حكمين ولم يعتبر رضا الزوجين، وروى عبيدة أن عليا رضى الله تعالى عنه بعث رجلين فقال لهما أتريان ما عليكما؛ عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقال الرجل أما هذا فلا، فقال كذبت لا والله ولا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك، فقالت المرأة رضيت بكتاب الله لى وعلى. والمستحب أن يكون حكما من أهله وحكما من أهلها للآية، ولأنه روى أنه وقع بين عقيل بن أبي طالب وبين زوجته شقاق وكانت من بنى أمية فبعث عثمان رضى الله تعالى عنه حكما من أهله وهو ابن عباس رضى الله تعالى عنه وحكما من أهلها وهو معاوية رضى الله تعالى عنه، ولأن الحكمين من أهلهما أعرف بحالهما، وإن كانا من غير أهلهما جاز لأنهما في أحد القولين وكيلان وفى الآخر حاكمان، وفى الجميع يجوز أن يكونا من غير أهلهما (٣).

[مذهب الحنابلة]

جاء في المغنى أن الزوجة إن منعت نفسها حتى تتسلم صداقها وكان حالا فلها ذلك، قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها، وإن قال الزوج لا أسلم إليها الصداق حتى أتسلمها أجبر الزوج على تسليم الصداق أولا ثم تجبر هي على تسليم نفسها لأن في إجبارها على تسليم نفسها أولا خطر إتلاف البضع والامتناع من بذل الصداق فلا يمكن الرجوع في البضع بخلاف المبيع الذي يجبر على تسليمه قبل تسليم ثمنه، فإذا تقرر هذا فلها النفقة ما امتنعت لذلك، وإن كان معسرا بالصداق لأن امتناعها بحق، وإن كان الصداق مؤجلا فليس لها منع نفسها قبل قبضه لأن رضاها بالتأجيل رضى بتسليم نفسها قبل قبضه كالثمن المؤجل في البيع، فإن حل المؤجل قبل تسليم نفسها لم يكن لها منع نفسها أيضا لأن التسليم قد وجب عليها واستقر قبل قبضه فلم يكن لها أن تمتنع منه، وإن كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا فلها منع نفسها قبل قبض


(١) الآية رقم ١٢٨ من سورة النساء.
(٢) الآية رقم ٣٥ من سورة النساء.
(٣) المهذب لأبى إسحاق الشيرازي جـ ٢ ص ٦٩، ص ٧٠ الطبعة السابقة.