للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطلب يأثم لقوله تعالى «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» (١) الآية أى دعوا لأداء الشهادة لأن الشهادة أمانة المشهود له فى ذمة الشاهد وقال سبحانه وتعالى «فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ٢» وقال جل شأنه «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» (٣) وأما فى حقوق الله تبارك وتعالى وفيما سوى أسباب الحدود نحو طلاق امرأة واعتاق عبد والظهار والايلاء ونحوها من أسباب الحرمات تلزمه الاقامة حسبة لله تبارك وتعالى عند الحاجة الى الاقامة من غير طلب من أحد من العباد، وأما فى أسباب الحدود من الزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف فهو مخير بين أن يشهد حسبة لله تعالى وبين أن يستر لأن كل واحد منهما أمر مندوب اليه قال الله تعالى:

«وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ» وقال عليه الصلاة والسلام «من ستر على مسلم ستر الله عليه فى الدنيا والآخرة» وقد ندبه الشرع الى كل واحد منهما ان شاء اختار جهة الحسبة فأقامها لله تعالى وان شاء اختار جهة الستر فيستر على أخيه المسلم.

[مذهب المالكية]

قال المالكية: لا شهادة لشاهد ان حرص على أدائها كأن رفع شهادته للحاكم قبل الطلب فى محض حق الآدمى وهو ماله اسقاطه كالدين والقصاص أما فى حق الله وهو ما ليس للمكلف اسقاطه فتجب المبادرة بالرفع للحاكم بحسب امكانه، ووجوب المبادرة ان استديم التحريم عند عدم الرفع كطلاق لزوجة مع كون المطلق لم ينكف عنها فتجب المبادرة بالرفع. وان لم يستدم ارتكاب التحريم خير فى الرفع وعدمه كالزنا وشرب الخمر والترك أولى لما فيه من الستر المطلوب (٤)، ويجب على الشاهد أن يعلم صاحب الحق بأنه شاهد له وجوبا عينيا ان توقف الحق على شهادته وكفائيا ان لم يتوقف.

[مذهب الشافعية]

قال الشافعية (٥): تحمل الشهادة وأداؤها فرض لقول الله عز وجل «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» وقوله تعالى «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» قال ابن عباس رضى الله عنه من الكبائر كتمان الشهادة لأن الله تعالى يقول «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» فهى فرض على الكفاية فان قام بها من فيه كفاية سقط‍ الفرض عن الباقين لأن المقصود بها حفظ‍ الحقوق وذلك يحصل ببعضهم وان كان فى موضع لا يوجد فيه غيره ممن يقع به الكفاية تعين عليه لأنه لا يحصل المقصود الا به فتعين عليه. ومن كانت عنده شهادة فى حد الله تعالى فالمستحب أن لا يشهد به لأنه مندوب الى ستره ومأمور بدرئه فان شهد به جاز لأنه شهد أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة بالزنا عند عمر رضى الله عنه فلم ينكر عمر ولا غيره من الصحابة عليهم


(١) سورة البقرة: ٢٨٢.
(٢) سورة البقرة: ٢٨٣.
(٣) سورة النساء: ٥٨.
(٤) الشرح الصغير للدردير ح‍ ٢ ص ٣٢٥، ٣٢٦
(٥) المهذب ح‍ ٢ ص ٣٢٣، ٣٣٤.