للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هل الإِمامة أفضل أم الأذان؟

[مذهب الحنفية]

اختلف فقهاء الحنفية (١) هل الإِمامة أفضل أم الأذان؟ فقيل إن الأذان أفضل لقول الله تبارك وتعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} (٢) وفسرت السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها بالمؤذنين ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤذنون أطول أعناقا يوم القيامة" وقيل إن الإِمامة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء من بعده كانوا أئمة ولم يكونوا مؤذنين وهم لا يختارون من الأمور إلا أفضلها، وقيل: هما سواء.

واختار المحقق الكمال بن الهمام أنها أفضل لما ذكرناه وقول عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه: لولا الخليفى لأذنت لا يستلزم تفضيل الأذان على الإِمامة بل مراده لأذنت مع الإِمامة لا مع تركها فيفيد أن الأفضل كون الإِمام هو المؤذن وهنا مذهب الحنفية وعليه كان الإِمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى كما علم من أخباره.

[مذهب المالكية]

جاء في الحطاب (٣): أن العلماء اختلفوا أيهما أفضل الأذان أو الإمامة؟ فقيل الأذان أفضل واختاره عبد الحق وقيل الإِمامة أفضل وقيل هما سواء وقيل إن كان الإِمام توفرت فيه شرائط الإمامة فهو أفضل وإلا فلا.

[مذهب الشافعية]

جاء في مغنى المحتاج (٤): أن الإمامة أفضل من الأذان في الأصح لمواظبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه من بعده رضى الله تعالى عنهم ولأن القيام بالشئ أولى من الدعاء واختار هذا السبكى مع قوله إن السلامة في تركها. ونقل في الأحياء عن بعض السلف أنه قال ليس بعد الأنبياء أفضل من العلماء ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين لأنهم قاموا بين الله وبين خلقه هؤلاء بالنبوة وهؤلاء بالعلم وهؤلاء بعماد الدين، قلت الأصح أن الأذان أفضل من الإِمامة والله أعلم لقول الله عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} (٥) قالت عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها هم المؤذنون لخبر إن خيار عباد الله


(١) انظر كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق للشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه حواشى منحة الخالق للسيد محمد أمين الشهير بابن عابدين جـ ١ ص ٢٦٨ وما بعدها طبع المطبعة العلمية بمصر سنة ١٣١٦ هـ الطبعة الأولى. وانظر كتاب فتح القدير للشيخ الإمام كمال الدين بن محمد بن عبد الواحد السيداسى السكندرى المعروف بابن الهمام وبهامشه شرح العناية للإمام أكمل الدين بن محمد بن محمود البابرنى وحاشية المولى سعد الله بن عيسى المغنى الشهير بسعدى جلبى وبسعدى افندى جـ ١ ص ١٧٨ وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة ١٣١٥ هـ الطبعة الأولى.
(٢) الآية رقم ٣٣ من سورة فصلت.
(٣) انظر كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل وبهامشه التاج والأكليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق جـ ١ ص ٢٤٢ وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر سنة ١٣٢٩ هـ الطبعة الأولى.
(٤) انظر كتاب مغنى المحتاج إلى شرح ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى جـ ١ ص ١٤٤ وما بعدها طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة ١٣٠٨ هـ وانظر كتاب قليوبى وعميرة للشيخ شهاب الدين القليوبى والشيخ عميرة على شرح العلامة جلال الدين بن المحلى جـ ١ ص ١٢٩ وما بعدها طبع مطبعة دار إحياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(٥) الآية رقم ٣٣ من سورة فصلت.