للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونقل صاحب المجمع قوله: ان أولى ما يستنزل به فيض الرحمة الالهية فى تحقيق الواقعات الشرعية طاعة الله عز وجل والتمسك بحبل التقوى قال تعالى:

«وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ،} (١) ومن اعتمد على رأيه وذهنه فى استخراج دقائق الفقه وكنوزه وهو فى المعاصى حقيق بانزال الخذلان فقد اعتمد على ما لا يعتمد عليه ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور.

[مذهب المالكية]

جاء فى الفروق (٢): أن السلف رضى الله عنهم كانوا متوقفين فى الفتيا توقفا شديدا.

وقال مالك لا ينبغى للعالم أن يفتى حتى يراه الناس أهلا لذلك ويرى هو نفسه أهلا لذلك، يريد تثبيت أهليته عند العلماء، ويكون هو بيقين مطلعا على ما قاله العلماء فى حقه من الاهلية، لانه قد يظهر من الانسان أمر على ضد ما هو عليه، فاذا كان مطلعا على ما وصفه به الناس حصل اليقين فى ذلك، وهذا هو شأن الفتيا فى الزمن القديم.

وأما اليوم فقد انخرق هذا السياج، وسهل على الناس أمر دينهم، فتحدثوا فيه بما يصلح وما لا يصلح، وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم، وأن يقول أحدهم لا يدرى، فلا جرم آل الحال للناس الى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال.

[مذهب الشافعية]

قال فى المجموع (٣): أعلم أن الافتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل، لان المفتى وارث الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقائم بفرض الكفاية، لكنه معرض للخطأ ولهذا قالوا: المفتى موقع عن الله تعالى.

وروينا عن ابن المنكدر قال: العالم بين الله تعالى وخلقه فلينظر كيف يدخل بينهم.

وروينا عن السلف وفضلاء الخلف من التوقف عن الفتيا أشياء كثيرة نذكر منها أحرفا تبركا.

روينا عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال أدركت عشرين ومائة من الانصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه


(١) الاية رقم ٣٨٢ من سورة البقرة.
(٢) الفروق للامام العلامة شهاب الدين أبى العباس أحمد بن ادريس بن عبد الرحمن الصنهاجى المشهور بالقرافى وبهامشه تهذيب الفروق والقواعد السنية للعالم الفاضل الشيخ محمد على بن الشيخ حسين مفتى المالكية ج‍ ٢ ص ١١٠ طبع بمطبعة دار احياء الكتب العربية طبعة أولى سنة ١٣٤٦ هـ‍.
(٣) المجموع شرح المهذب للامام العلامة أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للامام الجليل أبى قاسم عبد الكريم بن محمد الرافعى ويليه التلخيص الحبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير للامام الحافظ‍ أبى الفضل أحمد ابن حجر العسقلانى ج‍ ١ ص ٤٠، ٤١ طبع ادارة الطباعة المنيرية مطبعة التضامن الأخوى بمصر سنة ١٣٤٤ هـ‍.