جاء في (بدائع الصنائع): لو قال المضارب: أقرضتنى المال والربحُ لي، وقال رب المال: دفعت إليك مضاربة أو بضاعة فالقول قول رب المال؛ لأن المضارب يدعى عليه التمليك وهو منكر، فإن إقاما البينة فالبينة بينة المضارب؛ لأنها تثبت التمليك، ولأنه لا تنافى بين البينتين لجواز أن يكون أعطاه بضاعة أو مضاربةً ثم أقرضه، ولو قال المضارب: دفعت إليّ مضاربة. وقال ربُ المالِ: أقرضتك. فالقولُ قولُ المضارب، لأنهما اتفقا على أن الأخذ كان بإذن رب المال. ورب المال يدعى على المضارب الضمانُ وهو ينكرُ فكان القولُ قوله، فإن قامت لهما بينة، فالبينة بينة رب المال، لأنها تُثبتُ أصل الضمان.
ولو جحد المضاربُ المضاربَة أصلا، وربُ المالِ يدعى دفع المال إليه مضاربة فالقول قولُ المضارب؛ لأن رب المال يدعى عليه قبضَ ماله وهو يُنكرُ فكان القولُ قوله، ولو جحدَ ثم أقر فقد قال ابن سماعة في نوادره: سمعتُ أبا يوسف قال في رجل دفعَ إلى رجل مالا مضاربة ثم طلبهُ منه فقال: لم تدفع إلى شيئًا ثم قال: بلى استغفر الله العظيم قد دفعت إلى ألف درهم مضاربة فهو ضامن للمال؛ لأنه أمين والأمين إذا جحد الأمانة ضمن كالمودع، وهذا لأن عقدَ المضاربة ليس بعقد لازم بل هو عقد جائز محتمل للفسخ فكان جحوده فسخًا له أو رفعا له، وإذا ارتفع العقد صار المال مضمونا عليه كالوديعة، فإن اشترى بها مع الجحود كان مشتريا لنفسه؛ لأنه ضامن للمال فلا يبقى حكمُ المضاربة؛ لأن من حُكم المضاربة أن يكون المالُ أمانة في يده، فإذا صار ضمينا لم يبق أمينا، فإن أقر بعد الجحود لا يرتفعُ الضمانُ؛ لأن العقدَ قد ارتفعَ بالجحود فلا يعودَ إلا بسبب جديد. فإن اشترى بها بعد الإقرار فالقياسُ أن يكون ما اشتراه لنفسه؛ لأنه قد ضمن المال بجحوده فلا يبرأ منه بفعله، وفي الاستحسان يكون ما اشتراه على المضاربة ويبرأ من الضمان، لأن الأمرَ بالشراء لم يرتفع بالجحود بل هو قائم مع الجحود؛ لأن الضمان لا ينافى الأمر بالشراء. وإذا بقى الأمر بعد الجحود فإذا اشترى بموجب الأمر وقع الشراء للآمر، ولن يقع الشراءُ له إلا بعد انتفاء الضمان. ولو جاء المضارب بألفين فقال: رأس المال ألف وألف ربع ثم قال: ما ربحتُ إلا خمسمائة ثم هلكَ المالُ كله في يد المضّارب؛ فإن المضاربُ يضمنُ الخمسمائة التي جحدها ولا ضمانَ عليه في باقى المال، لأن الربع أمانَةُ في يده، فإذا جحدَه فقد صار غاصبًا بالجحود فيضمن إذا هلك. ولو قال المضارب لرب المال: قد دفعتُ إليكَ رأسَ مالكِ والذي بقى في يدى ربحٌ ثم رَجِعَ فقال: لم أدفعه إليك ولكن هلكَ فإنه يضمنُ ما ادّعى دفعَه إلى ربِ المالِ؛ لأنه صار جاحدًا بدعوى الدفع فيضمن المجحودَ. (١)
[مذهب المالكية]
جاء في (الشرح الكبير): لو قال رب المال: قرض في قول العامل قراض أو وديعة فالقول لرب المال بيمينه؛ لأن الأصل تصديق المالك في