قال: باعه متى صدق. ولم يقض عليه بشئ لما ذكرنا قبل (يشير الى قضاء عبد الملك بن يعلى) ولأن الأموال والأملاك بلا شك متنقلة من يد الى يد. هذا امر نعلمه يقينا. فلو قضى عليه ببعض اقراره هنا دون سائره لوجب اخراج جميع املاك الناس عن ايديهم او اكثرها لانك لا تشك فى الدور والارضين والثياب المجلوبة. والعبيد والدواب أنها كانت قبل من هى بيده لغيره بلا شك .. وان امكن فى بعض ذلك ان ينتجه. فان الام وأم الام بلا شك كانت لغيره .. وكذلك الزريعة مما بيده مما ينبت. فظهر فساد هذا القول جملة فان قامت بينة فى شئ مما بيده مما أقر به أو مما لم يقر به أنه كان لغيره قضى به لذلك الغير حينئذ ولم يصدق على انتقال ما قامت به البينة لانسان بعينه البينة الا ببينة .. وهذا متفق عليه. وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضى بالبينة للمدعى.
[دعوى المقر أنه كاذب فى اقراره]
ادعاء الكذب فى الاقرار نوع من محاولة الرجوع عنه. ومن ثم يعلل بعض الفقهاء قبول الرجوع فى الاقرار فيما تؤثر فيه الشبهة .. احتمال الكذب فيه بما يورث شبهة تدرأ الحد .. ويصرحون بأن ادعاء المقر انه كذب فى اقراره صورة من صور الرجوع عن الاقرار وعلى هذا الاساس. اذا وجد فى مذهب من المذاهب نص على حكم ادعاء الكذب فى الاقرار فسيعتمد فى تقرير الحكم على هذا النص - وان لم يوجد نص على الحكم فسيستعان على معرفة الحكم فيه بحكم الرجوع عن الاقرار وما قيل فى منعه واسباب هذا المنع.
والاصل عند الحنفية انه متى أقر شخص لآخر بحق اقرارا صحيحا مستوفيا شروطه الشرعية - الزم بما اقر به. ووجب عليه تسليمه الى المقر له .. ولا يقبل منه بعد ذلك دعوى أنه كان كاذبا فى اقراره - اذا كذبه المقر له فى دعوى الكذب هذه. ولا يقبل منه أن يقيم البينة على كذبه. ولا ان يطلب تحليف خصمه على نفيه فاذا أعطى شخص سندا لآخر مكتوبا فيه بخط المقر: انى قد اقترضت كذا من الدراهم من فلان وقبضت هذا المبلغ. ثم قال: انى وان كنت قد اعطيت هذا السند بيدى وكتبته بخطى الا انى لم اقبض المبلغ المذكور به. فلا يقبل منه ذلك عند أبى حنيفة ومحمد. وهو القياس لأن الاقرار حجة ملزمة شرعا كالبينة بل هو اولى لان احتمال الكذب فيه ابعد .. وقال ابو يوسف: اذا ادعى أو ورثته الكذب فى الاقرار حلف المقر له ان كان حيا أن المقر صادق فيما أقر به ولم يكن كاذبا فيه - فان حلف ثبت حقه فى المقر به. وان نكل فلا شئ له منه .. وان كان ميتا حلف ورثته انهم لا يعلمون ان المقر كان كاذبا فى اقراره .. وهذا مادام المقر لم يصر محكوما عليه بالاقرار موضوع الكلام. فان صار محكوما عليه بالاقرار لم يحلف له المقر له ولا ورثته بالاتفاق لان الاقرار حينئذ يكون قد ثبت وتأيد بالحكم. وقول ابى يوسف هو الاستحسان وعليه الفنوى. وقال فى البزازية وهو المختار. واختارته جمعية المجلة العدلية فى المادة رقم (١٥٨٩) منها. لان العادة جارية بين الناس انهم اذا ارادوا الاستدانة يكتبون السند قبل الاخذ ثم يأخذون المال بعد ذلك. فلا يكون الاقرار دليلا على