للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سكرى - الامتناع، والامتناع الكف عن الشئ، والممتنع الأسد القوى العزيز في نفسه. قال صاحب اللسان: وحكى ابن برى عن النجيرمى: منعة جمع مانع، وفى الحديث الشريف: سيعوذ بهذا البيت قوم ليست لهم منْعة أي قوة تمنع من يريدهم بسوء. ويقال امرأة منيعة أي ممتنعة لا تؤاتى على فاحشة (١).

التعريف في اصطلاح الأصوليين والفقهاء: الأصوليون والفقهاء يكادون لا يخرجون في استعمالاتهم لكلمة امتناع على المعنى اللغوى، فهو بمعنى العصمة والتحجير، وبمعنى تعذر الحصول، وبمعنى الكف عن الشئ، وبمعنى التقوى والاحتماء. ولكل من هذه الاستعمالات مجاله على ما سيأتي مفصلا إن شاء الله تعالى.

[أولا: الامتناع في استعمال الأصوليين التكليف بالممتنع]

أصول الحنفية: جاء في فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت أنه لا يجوز التكليف بالممتنع بالذات مطلقا في ذاته، لا بالنسبة إلى قدرة دون قدرة، كالجمع بين الضدين، أو الممتنع بالذات صدوره من المكلف وإن كان ممكنا بالنسبة إلى قدرة الله تعالى كخلق الجوهر من القدرة الحادثة. وجوز الأشعرية التكليف بالممتنع بالذات بالنحوين المذكورين، واختلفوا في وقوعه، فمنهم من قال إنه واقع، ومنه من قال لا. وأما الممتنع عادة - وهو الممكن في ذاته - وبالنظر إلى قدرة المكلف لكن في العادة لا يصدر من المكلف كحمل الجبل فيجوز التكليف به عندنا عقلا خلافا للمعتزلة فإنهم لا يجوزونه عقلا، ولا يجوز عندنا شرعا لقول الله عز وجل: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" (٢)، والإِجماع منعقد على صحة التكليف بما علم الله تعالى أنه لا يقع، وإن كان هذا الذي لا يقع محالا بالغير وفى شرح الشرح بل على وقوعه أيضا. ويدل لنا: أنه لو صح التكليف بالممتنع لكان مطلوبا لأنه معنى التكليف، والطلب موقوف على تصور وقوعه كما طلب. وإن لم يتصور ذلك المطلوب لما طلب ذلك بل لشئ آخر، وهذا ضرورى، فقد خرج لو جاز التكليف بالممتنع لكان مقصورا كما طلب أي من جهة الوقوع، وتصور وقوع المحال من حيث إنه محال، ومعلوم الاستحالة في الخارج باطل بالضرورة، فجواز التكليف بالمحال باطل، فإن قلت هذا استدلال في مقابلة الضرورة إذ لا استحالة فيما إذا قال للمكلف أوجد اجتماع النقيضين أو المحال، قال: وهذا الذي ذكرنا في التكليف الحقيقى والطلب حقيقة، وأما التكليف الصورى الذي من غير طلب حقيقى بأن يتلفظ بصيغة الأمر ويقول أوجد المحال أو ائت باجتماع النقيضين فما هو إلا كقولك اجتماع النقيضين واقع، فإن الإِخبار به حقيقة غير


(١) لسان العرب لابن منظور جـ ١٠ ص ٢٢١ الطبعة السابقة.
(٢) الآية رقم ٢٨٦ من سورة البقرة.