صحيح وإن كان التلفظ به صحيحا كذا هاهنا الطلب حقيقة غير صحيح وإن كان التلفظ بصيغة الأمر صحيحا ولا نقول باستحالة هذا التلفظ بهذا الدليل. وإنما قيل في كلام أهل الحق بامتناعه لمدرك آخر دال عليه لو تم المدرك لتم امتناع هذا التلفظ والمدرك الآخر هو أن التلفظ بما لا يقصد معناه سفه أو هزل وهو مستحيل على الله تعالى.
وإن التكليف بالمحال نقص مستحيل عليه تعالى، وهذا المدرك شامل للصورى والحقيقى، إلا أنه مختص بتكليف الله تعالى (١).
أصول غير الحنفية: جاء في الأحكام أنه اختلف قول أبى الحسن الأشعرى رضى الله تعالى عنه في جواز التكليف بما لا يطاق نفيا وإثباتا، وذلك كالجمع بين الضدين وقلب الأجناس وإيجاد القديم وإعدامه ونحو ذلك، وميله في أكثر أقواله إلى الجواز وهو لازم على أصله في اعتقاد وجوب مقارنة القدرة الحادثة للمقدور بها، مع تقدم التكليف بالفعل على الفعل، وأن القدرة الحادثة غير مؤثرة في مقدورها، بل مقدورها مخلوق لله تعالى ولا يخفى أن التكليف بفعل الغير حالة عدم القدرة عليه تكليف بما لا يطاق وهذا هو مذهب أكثر أصحابه وبعض معتزلة بغداد حيث قالوا بجواز تكليف العبد بفعل في وقت علم الله تعالى أن يكون ممنوعا عنه، والبكرية حيث زعموا أن الختم والطبع على الأفئدة مانعان من الإِيمان مع التكليف به، غير أن من قال بجواز ذلك من أصحابه اختلفوا في وقوعه نفيا وإثباتا، ووافقه على القول بالنفى بعض الأصحاب، وهو مذهب البصريين من المعتزلة وأكثر البغداديين، وأجمع الكل على جواز التكليف بما علم الله تعالى أنه لا يكون عقلا وعلى وقوعه شرعا كالتكليف بالإِيمان لمن علم الله تعالى أنه لا يؤمن كأبى جهل، خلافا لبعض الثنوية. والمختار إنما هو امتناع التكليف بالمستحيل لذاته، كالجمع بين الضدين ونحوه، وجوازه في المستحيل باعتبار غيره، وإليه ميل الغزالى رضى الله تعالى عنه. ولنفرض الكلام في الطرفين؛ أما الطرف الأول: وهو امتناع التكليف بالمستحيل لذاته فيدل عليه أن التكليف طلب ما فيه كلفة، والطلب يستدعى مطلوبا متصورا في نفس الطالب، فإن طلب ما تصور له في النفس محال، والمستحيل لذاته كالجمع بين الضدين، والنفى والإِثبات معا في شئ واحد ونحوه لا تصور له في النفس، ولو تصور في النفس لما كان وقوعه في الخارج ممتنعا لذاته، وكما يمتنع التكليف بالجمع بين الضدين في طرف الوجود، فكذلك يمتنع التكليف بالجمع بين الضدين في طرف السلب إذا لم يكن بينهما واسطة كالتكليف بسلب الحركة والسكون معا في شئ واحد لاستحالة ذلك لذاتيهما، وعلى هذا فمن توسط مزرعة مغصوبة فلا يقال له لا تمكث ولا تخرج كما ذهب الله أبو هاشم، وإن كان في كل واحد من المكث والخروج إفساد زرع الغير، بل يتعين التكليف بالخروج لما فيه من تقليل الضرر، وتكثيره في المكث، كما يكلف المولج في الفرج الحرام بالنزع وإن كان به مماسا للفرج المحرم لأن ارتكاب أدنى
(١) فواتح الرحموت لعبد العلى محمد بن نظام الدين الأنصارى بشرح مسلم الثبوت في أصول الفقه للإمام المحقق الشيخ محب الله بن عبد الشكور جـ ٢ ص ١٣٣، ص ١٣٤ في كتاب أعلاه المستصفى من علم الأصول للإمام حجة الإسلام أبى حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى الطبعة الأولى المطبعة الأميرية بمصر سنة ١٣٢٢ هـ.