غير جائزة فى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، بل هى فاسدة، لأن الأجر لا يجب بالسكنى وانما يجب بالتسليم وهو التخلية وحالة التخلية لا يدرى ما يسكن فكان البدل عنده مجهولا بخلاف الرومى والفارسى، لأن البدل هناك يجب بابتداء العمل، ولا بد من أن يبتدئ بأحد العملين وعند ذلك يتعين البدل ويصير معلوما عند وجوده.
أما فى قول أبى حنيفة الآخر فجائزة، لأنه خير بين منفعتين معلومتين فيجوز كما فى خياطة الرومية والفارسية، وهذا لأن السكنى وعمل الحدادة مختلفان والعقد على واحد منهما صحيح على الانفراد فكذلك على الجمع وقولهما بأن الأجر ههنا يجب بالتسليم من غير عمل مسلم، لكن العمل يوجد ظاهرا وغالبا، لأن الانتفاع عند التمكين من الانتفاع هو العالب فلا يجب الاحتراز عنه على أن بالتخلية - وهو التمكن من الانتفاع يجب أقل الأجرين، لأن الزيادة تجب بزيادة الضرر ولم توجد زيادة الضرر وأقل الأجرين معلوم فلا يؤدى الى الجهالة وهذا جواب امام الهدى الشيخ أبا منصور الماتريدى رحمه الله تعالى.
وعلى هذا الخلاف كل ما كان أجره يجب بالتسليم ولا يعلم الواجب به وقت التسليم فهو باطل عندهما.
وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى العقد جائز، وأى التعيين استوفى وجب أجر ذلك كما سمى.
وان أمسك الدار ولم يسكن فيها حتى مضت المدة فعليه أقل المسميين لما ذكرنا أن الزيادة انما تجب باستيفاء منفعة زائدة ولم يوجد ذلك فلا يجب بالتسليم - وهو التخلية - الا أقل الأجرين.
وعلى هذا الخلاف اذا استأجر دابة الى الحيرة على أنه ان حمل عليها شعيرا فبنصف درهم وان حمل عليها حنطة فبدرهم فهو جائز على قول أبى حنيفة الآخر.
وعلى قولهما لا يجوز (١).
[مذهب المالكية]
جاء فى مواهب الجليل أنه لو آجر انسان آخر يخيط له ثوبا على أنه ان خاطه اليوم فبدرهم وان خاطه غدا فبنصف درهم، أو قال له أن خطته خياطة رومية فبدرهم وان خطته خياطة عربية فبنصف درهم لم يجز، وهو من وجه بيعتين فى بيعة فان خاطه فله أجر مثله زاد على التسمية أو نقص. قال غيره فى المسئلة الأولى الا أن يزيد على الدرهم أو ينقص عن نصف الدرهم فلا يزاد ولا ينقص.
(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج ٤ ص ١٨٥، ص ١٨٦ الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة ١٣٢٨ هـ، سنة ١٩١٠ م.