للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثانى، وهو قول ابى اسحاق: انه يجب، لأن نفقته ان لم تجب على القريب أنفق عليه من بيت المال، والاعفاف لا يجب فى بيت المال فوجب على القريب.

وان طلبت أجرة المثل وللأب من يرضعه بغير عوض أو بدون أجرة المثل ففيه قولان:

أحدهما: ان الأم أحق بأجرة المثل فكانت أحق به.

والثانى: ان الأب أحق، لأن الرضاع فى حق الصغير كالنفقة فى حق الكبير. ولو وجد الكبير من يتبرع بنفقته لم يستحق على الأب النفقة، فكذلك اذا وجد من يتبرع بارضاعه لم تستحق الأم أجرة الرضاع.

وان ادعت المرأة أن الأب لا يجد غيرها فالقول قول الأب لأنها تدعى استحقاق أجرة المثل والأصل عدمه (١).

مذهب الاحناف (٢):

ويرى الأحناف أن نفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد، كما لا يشاركه فى نفقة الزوجة، لقوله تعالى:

«وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ». (٣) والمولود له هو الأب. وان كان المولود صغيرا فليس على أمه أن ترضعه لما بينا أن الكفاية على الأب وأجرة الرضاع كالنفقة ولأنها عساها لا تقدر عليه لعذر بها، فلا معنى للجبر عليه، وقيل فى تأويل قوله تعالى: «لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها» (٤) بالزامها الارضاع مع كراهتها، وهذا الذى ذكرنا بيان الحكم، وذلك اذا كان يوجد من ترضعه أما اذا كان لا توجد من ترضعه تجبر الأم على الارضاع صيانة للصبى عن الضياع.

قال: «ويستأجر الأب من ترضعه عندها»، أما استئجار الأب فلأن الأجر عليه. وقوله: «عندها» معناه اذا أرادت ذلك.

لأن الحجر لها. وان استأجرها وهى زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز، لأن الارضاع مستحق عليها ديانة. قال تعالى «والوالدات يرضعن أولادهن» (٥) الا أنها عذرت لاحتمال عجزها، فاذا أقدمت عليه بالأجر ظهرت قدرتها فكان الفعل واجبا عليها، فلا يجوز أخذ الأجرة، وهذا فى المعتدة عن طلاق رجعى رواية واحدة، لأن النكاح قائم، وكذا فى المبتوتة فى رواية، وفى رواية أخرى جاز استئجارها لأن النكاح قد زال، وجه الأولى أنه باق فى حق بعض الأحكام، ولو استأجرها وهى منكوحته أو معتدته لارضاع ابن له من غيرها جاز، لأنه غير مستحق عليها، واذا انقضت عدتها فاستأجرها يعنى لارضاع ولدها جاز، لأن النكاح قد زال بالكلية، وصارت كالأجنبية. فان قال الأب: لا أستأجرها وجاء بغيرها، فرضيت الأم بمثل أجرة الأجنبية، أو رضيت بغير أجر كانت هى أحق لأنها أشفق، فكان نظرا للصبى فى الدفع اليها. وان التسمت زيادة لم يجبر الزوج عليها دفعا للعذر عنه، واليه الاشارة بقوله تعالى: «لا تضار والدة بولدها ولا


(١) المهذب ج‍ ٢ ص ١٨٠.
(٢) الهداية ج‍ ٢ ص ٣٨.
(٣) سورة البقرة: ٢٣٣.
(٤) الآية السابقة.
(٥) سورة البقرة: ٢٣٣.