للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظاهر عبارة المصنف أن المعلق بالشرط أو الوصف يحتمل التكرار، والحق أنه يوجبه على هذا المذهب حتى لا ينتفى إلا بدليل كما صرح به المصنف في مسألة "إن دخلت الدار فطلقى نفسك" ولهذا عبر في التقديم عن هذا المذهب: بأن الأمر المطلق لا يقتضى تكرارا لكن المعلق بشرط أو وصف يتكرر بتكرره.

كما علق على مذهب عامة علماء الحنفية بقوله: (١)

مذهب عامة علماء الحنفية أن الأمر لا يحتمل العموم والتكرار بل هو للخصوص والمرة سواء كان مطلقا أو معلقا بشرط أو وصف. وإنما يستفاد العموم والتكرار من دليل خارجى كتكرار السبب.

٢ - الكمال بن الهمام وابن أمير الحاج: (٢)

القائل بأن الأمر المعلق على شرط أو صفة يدل على التكرار يستدل بأنه قد تكرر المأمور به في نحو: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} فتكرر وجوب الإطهار بتكرر الجنابة.

وأجاب عن ذلك: بأن الشرط هنا علة فيتكرر موجب الأمر بتكررها اتفاقا ضرورة تكرر المعلول بتكرر علته بالصيفة. وأما غيره مما لا يكون علة "كإذا دخل الشهر فاعتق" فخلاف في كونه للتكرار. والحق نفى التكرار فيه.

وقد أورد اعتراضا هنا على الحنفية وأجاب عنه فقال: (٣)

كيف نفى تكرر الحكم بتكرر الوصف الذي هو علته بعض الحنفية في {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فلم يقطعوا في المرة الثالثة يد السارق اليسرى إذا كان قد قطع في الأولى يده اليمنى والثانية رجله اليسرى مع أن السرقة علة القطع. وجلدوا الزانى بكرا أبدا مع أن الزنا علة الجلد؟ ومضى فقال:

فالجواب: أما مانعوا تخصيص العلة فلم يعلق القطع عندهم بعلة هي السرقة لأن عدم قطع يده في الثانية إجماعا نقض لكونها علة لتخلف حكمها عنها فوجب عدم الاعتبار لها علة له. فيفى موجبه أي النص "القطع مرة مع السرقة: بخلاف الجلد في الزنا فإنه علق بعلة هي الزنا فتكرر بتكرره.

والوجه العام أي على القول بجواز تخصيص العلة بعدم جوازه بين هذين أن نص القطع مؤول إذ حقيقته قطع اليدين بسرقة واحدة وهى غير معمول بها إجماعا، بل صرف النص عنه إلى واحدة هي اليمنى بالسنة وقراءة ابن مسعود: "فاقطعوا أيمانهما" على ما في غير موضع من تَفسير البيضاوى أو: "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم" على ما في تفسير الزجاج والكشاف. والقراءة الشاذة حجة على الصحيح. وبدليل الإجماع.

فظهر بهذه الأدلة أن المراد من النص انقسام الآحاد على الآحاد: أي كل سارق فاقطعوا يده اليمنى بموجب حمل المطلق على المقيد.

على أنا نقول: فلو فرضت السرقة علة للقطع تعذر القطع في الثانية لفوت محل الحكم الذي هو القطع وهو اليمنى في الثانية لقطعها في الأولى. بخلاف الجلد فإنه يتكرر بتكرر الزنا لعدم فوت محله وهو البدن بالجلد السابق.


١ - المصدر السابق ص ٧٢.
(٢) التقرير والتحبير جـ ١ ص ٣١٢.
(٣) المصدر السابق ص ٣١٣.