للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيد «عدم سبق الخلاف المستمر»، موضع خلاف بين العلماء سنبينه إن شاء الله فى شروط‍ الإجماع ودخول العوام فى المجمعين أو عدم دخولهم موضع خلاف أيضا، وسيأتى فى الكلام عمن هم أهل الإجماع.

وهناك قيد لا بد منه خلت التعاريف السابقة من التقييد به، وتنبه إليه بعض المؤلفين، ومنهم الشوكانى فى إرشاد الفحول، فقد قال فى تعريفه: «هو اتفاق مجتهدى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته فى عصر من العصور على أمر من الأمور».

فزاد قوله «بعد وفاته» وقال: إنه خرج به الإجماع فى عصره صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لا اعتبار به (١).

وهناك زيادات أخرى يذكرها بعضهم فى تعريف الإجماع، حسب قوله بشرط‍ معين، كالذى يشترط‍ فى حجية الإجماع انقراض عصر المجتهدين المتفقين على ذلك الأمر فيزيد قيد الانقراض وكالذى يشترط‍ بلوغ المتفقين حد التواتر فيزيد فى التعريف ما يفيد ذلك.

وقد بين شارح مسلم الثبوت أن التعريف غير محتاج إلى التقييد بكل هذه القيود، فإن منها ما هو شرط‍ للحجية لا دخل له فى الحد (٢).

هذه هى آراء جمهور العلماء فى مذاهب السنة الأربعة، ومذهب الإباضية فى تعريف الإجماع اصطلاحا: وإليك أقوال غيرهم:

مذهب الظاهرية فى معنى الإجماع:

يرى الظاهرية أن الإجماع «هو اتفاق الأمة خاصها وعامها على ما علم من الدين بالضرورة، أو اتفاق الصحابة خاصة فيما وراء ذلك».

ويؤخذ هذا من كلام ابن حزم فى كتابه الأحكام، إذ يقول: «أن الإجماع الذى هو الإجماع المتيقن، ولا إجماع غيره لا يصح تفسيره ولا ادعاؤه بالدعوى، لكن ينقسم قسمين:

أحدهما: كل ما لا يشك فيه أحد من أهل الإسلام فى أن من لم يقل به فليس مسلما، كشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وكوجوب الصلوات الخمس، وكصوم شهر رمضان وكتحريم الميتة والدم والخنزير، والإقرار بالقرآن، وجملة الزكاة، فهذه أمور من بلغته فلم يقر بها فليس مسلما، فإذ ذلك كذلك، فكل من قال بها فهو مسلم، فقد صح أنها إجماع من جميع أهل الإسلام.

والقسم الثانى: شئ شهده جميع الصحابة رضى الله عنهم من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تيقن أنه عرفه كل من غاب عنه عليه السلام منهم، كفعله فى خيبر، إذ أعطاها يهود بنصف ما يخرج منها من زرع أو ثمر، يخرجهم المسلمون إذا شاءوا، فهذا لا شك عند كل أحد


(١) ص ٦٨ من إرشاد الفحول.
(٢) ج‍ ٢ ص ٢١١ من شرح مسلم الثبوت.