للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الحنفية كالحاكم الشهيد والصفار ومحمد بن سلمة من ذهب الى أنه ليس عقدا من عقود المعاوضة، وانما هو مواعدة تقوم على بيان ما يطلبه الطالب فيعده صاحبه بانفاذ ما يطلب، فاذا انجز المطلوب منه، وسلمه الى الطالب فقبله انعقد بيعا بالتعاطى عند ذلك لا قبله، بدليل أن محمدا رحمه الله تعالى ذكر فى توجيه أنه جائز القياس والاستحسان، وذلك لا يكون فى العدات، وكذلك أثبت فى خيار الرؤية للمستصنع وهو مختص بالبيع وأجيز فيه التقاضى، ولا يتقاضى الا فيما هو واجب مطلوب وليس الموعود مما يجب فيطلب، ولو كان مواعدة لم يختص بما جرى فيه ذلك التعامل عرفا، بل جاز فيه وفى غيره اذ العدة لا تختص بشئ معين، ثم لم يملك الصانع الثمن بقبضه مع أنه يملكه نظير ما شغلت به ذمته من بيع (١)، واذا سلم المستصنع المادة الى الصانع ليصنعها له على وفق ما طلب، لم يكن هذا استصناعا، وانما هو استئجار جائز فان عمل كما أمر استحق الاجر، والا كان ضامنا لما أفسد به المادة بصنعه.

[حكمه - بمعنى جوازه]

وحكمه الجواز استحسانا لا قياسا.

اما عدم جوازه قياسا فلانه بيع ما ليس عند بائعه لا على وجه السلم، وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الانسان، ورخص فى السلم، والى هذا ذهب زفر.

اما جوازه استحسانا فلجريان العرف به واجماع الناس، اذ كان ذلك عرفهم فى الامصار كلها، من غير نكير، وذلك لشدة الحاجة اليه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وبمثل ذلك يترك القياس، كما ترك فى دخول الحمام بالاجر دون تعيين مقدار الماء الذى سيستعمل فيه ومدة شغله بالاستحمام، والى هذا ذهب الحنفية، مع قصر جوازه عندهم على ما جرى فيه التعامل دون ما لم يجر فيه ذلك (٢).

ويرى المالكية أن الاستصناع سلم تشترط‍ فيه جميع شروط‍ السلم فارجع اليها «فى سلم» ولا يرونه عقدا مستقلا.

جاء فى الشرح الصغير للدردير ما يدل على أن استصناع سيف أو سرج أو ثوب


(١) راجع بدائع الصنائع ج‍ ٥ ص ٢.
(٢) بدائع الصنائع ج‍ ٥ ص ٢ والبحر ج‍ ٦ ص ١٨٥.