للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقوق العباد كما هو ظاهر من الأمثلة .. (١)

وكل من أقر بشئ ثم رجع عنه لم يقبل منه إلا فى حدود الله تعالى .. قلت ويضم إلى ذلك ما إذا أقر الأب بعين للابن فإنه يقبل رجوعه كما صححه النووى فى فتاواه.

وفى مذهب الحنابلة: نقلنا فى الفقرة السابقة - دعوى الكذب فى الاقرار - عن كشاف القناع وعن المغنى لابن قدامه النص على عدم جواز رجوع المقر عن إقراره لتعلق حق المقر له بالمقر به الا حقا كان حدا لله تعالى فيقبل رجوعه عنه لأن الحد يدرأ بالشبهة .. وأما حقوق الآدميين وحقوق الله التى لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوع المقر عن الإقرار بها.

وفى مذهب الظاهرية نقلنا فى تلك الفقرة ايضا عن ابن حزم فى المحلى النص القاطع فى عدم جواز رجوع المقر عن اقراره مطلقا حتى فى حدود الله الخالصة التى تدرأ بالشبهات.

وفى مذهب الزيدية: نقلنا عن شرح الازهار والتاج المذهب النص على عدم جواز الرجوع عن الاقرار الا فى حق الله الخالص الذى يسقط‍ بالشبهة كحد الزنا وشرب الخمر والقطع فى السرقة فانه يصح الرجوع عن الاقرار فيها ويسقط‍ الحد فى الجميع. ولكن لا يصح الرجوع عن الاقرار بالنظر للمال فى السرقة ومن ثم يجب فيه الضمان ولا يسقط‍. اما حقوق الله التى لا تسقط‍ بالشبهة وحقوق العباد لا يصح الرجوع عن الاقرار فيها.

ولا يجوز الرجوع عنه إذ هو خبر ماض إلا فى حق الله تعالى لأنه يسقط‍ بالشبهة (٢).

[قبول الاقرار ورده]

يقول الحنفية: ان الاقرار لا يتوقف على قبول المقر له بل يثبت حكمه ويترتب عليه أثره سواء قبل المقر له او لم يقبل. الا فى الاقرار كالنسب فى احد نوعية وهو الذى يثبت فيه النسب بمجرد الاقرار. وهو الاقرار بنسب لا يتضمن تحميل النسب على الغير.

فانه يشترط‍ فيه تصديق المقر بنسبه للمقر فى اقراره ان كان فى يد نفسه بأن كان بالغا أو صبيا مميزا. فلو كان فى يد غيره فان كان صبيا غير مميز لم يحتج الى تصديقه .. والا اذا كان الاقرار فيه تمليك مال ولو من وجه فانه يتوقف على قبول المقر له اذ لا يمكن دخول شئ فى ملك الشخص بدون رضاه الا فى الميراث .. وفيما عدا هاتين الحالتين لا يتوقف الاقرار على قبول المقر له. ولكنه قد يرده .. فاذا رد المقر له الاقرار فى كل المقر به بطل حكم الاقرار فى الكل - كما اذا قال المقر للمقر له: لك على الف درهم فقال المقر له لا شئ لى عليك. فانه يرتد فى الكل واذا رد فى البعض فان قال: ليس لى عليك الا خمسمائة درهم. ارتد الاقرار فيما رد فيه وهو خمسمائة. وبقى فيما وراءه وليس كل اقرار يرتد بالرد بل هناك امور لا يرتد فيها الاقرار بالمرد ولا يبطل بل يبقى حكمه. واذا رجع المقر له وقبل الاقرار بعد الرد يصح وهذه الأمور هى:


(١) الاشباه والنظائر للسيوطى ص ٥٧٤.
(٢) البحر الزخار ج‍ ٥ ص ٦ من باب الاقرار.