للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد يجوز تركه. ألا ترى أن أمورا قد فعلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فى غير حد فلم يضرب فيها، منها الغلول فى سبيل الله.

ولم يؤت بحد قط‍ فعفاه.

ثم يقول فى هذا أيضا: التعزير كما وصفت انما هو شئ ان رأى بعض الولاة أن يفعله على التأديب لا يأثم بتركه.

ويقول فى موضع آخر (١): الأدب (التعزير) أمر لم يبح له الا بالرأى وحلال له تركه. ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظهر على قوم قد غلوا فى سبيل الله تعالى فلم يعاقبهم ولو كانت العقوبة تلزم لزوم الحد ما تركهم كما قال صلّى الله عليه وسلّم وقطع امرة لها شرف فكلم فيها فقال: لو سرقت فلانة لامرأة شريفة لقطعت يدها.

هذا هو الخلاف الذى تذكره كتب الفقه فى المذاهب المختلفة. وقد حاول البعض أن يوفق بين الآراء فقال أن الباعث على العقوبة أحد أمور ثلاثة.

أما فساد يعم وأما حمل على التوبة والرجوع الى الجادة واما زجر عام عن المعاصى.

والمنكرات تقع علنا وعلى صورة تدعو الى الرذيلة فيجب أن تقابلها عقوبة زاجرة.

فاذا كان واحد من هذه وتوفرت الشروط‍

بالاعلان وامكان الاثبات العادى وعدم حدوث التوبة وجبت العقوبة.

ولذلك قال فقهاء الحنفية: أن اقامة التعزير مستحق على الامام شرعا اذ علم أنه لا ينزجر الا به. وما يكون مستحقا على المرء لا يتقيد بشرط‍ ليس فى وسعه التحرز عنه.

والحنابلة والمالكية يقولون بوجوب التعزير حين ينص عليه وحين تستوجبه المصلحة وتدعو اليه العدالة وهذه المعانى بلا شك يقدرها الامام الشافعى حق التقدير ولا يمكن أن يقول أن الامام له أن يترك التعزير وقد تعين دفعا للفساد ومنعا لاستمرار الجريمة أو منعا لشيوعها بين الناس. وقوله «حلال له تركه».

أو قد يجوز تركه يريد منه أنه مبنى على رأى الامام وتقديره وأنه ان عاقب فبرأيه الذى تدفع اليه المصلحة وتوجبه العدالة ويحتمه دفع الفساد وان ترك فلان المصلحة أوجبت ذلك. وليس المراد منه أنه مخير فيه وليس بواجب عليه أن تعين للانزجار ونحوه.

[مذهب الظاهرية]

جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى (٢):

ومن أتى منكرات جمة فللحاكم أن يضربه لكل منكر منها عشر جلدات فأقل. وفى موضع آخر منه (٣) ويقال ذو الهيئة عثرته وهو


(١) المرجع السابق ص ١٧١.
(٢) المحلى لابن حزم الظاهرى ج ١١ ص ٤٠٤.
(٣) المرجع السابق ص ٤٠٦.