للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من العرب سار فيهم أبو بكر سيرة الناقضين فسبى النساء والصغار وجرت المقاسم فى أموالهم فلما ولى عمر بعده نقض ذلك وسار فيهم سيرة المرتدين أخرجهم من الرق وردهم الى عشائرهم والى الجزية.

قال ابن رشد حكى هذا ابن حبيب وهو خلاف ما قالوا أن القاضى لا يرد ما قضى به غيره قبله باجتهاده فتدبر ذلك، وقول أشهب أن أهل الذمة وأهل الاسلام فى ذلك سواء خلاف قول ابن القاسم فانه فرق فى ذلك وهو الصحيح من جهة النظر، لأن المرتدين أحرار من أصولهم والمعاهدين لم تتم حريتهم بالمعاهدة وانما كانت عصمة لهم من القتال فاذا نقضوها رجعوا الى الأصل فحل دمهم وسباؤهم.

ثم قال (١) وأهل البغى يقاتلون كقتال الكفار بأن يدعوهم الامام أولا للدخول تحت طاعته ما لم يعاجلوه بالقتال ويقاتلهم بالسيف والرمى بالنبل والمنجنيق والتغريق والتحريق وقطع الميرة والماء عنهم الا أن يكون فيهم نسوة أو ذرارى فلا نرميهم بالنار، لكن لا تسبى ذراريهم ولا أموالهم، لأنهم مسلمون كما أشار لذلك بقوله: ولا يسترقون ولا يحرق شجرهم ولا ترفع رءوسهم اذا قتلوا بأرماح أى يحرم لأنه مثلة بالمسلمين.

وعلق الدسوقى على ذلك فقال: لا ترفع رءوسهم بأرماح أى لا بمحل قتلهم ولا بغيره.

قال البنانى وفيه نظر بل انما يمنع حمل رءوسهم على الرماح لمحل آخر كبلد أو وال وأما رفعها على الرماح فى محل قتلهم فقط‍ فجائز كالكفار فلا فرق بين الكفار والبغاة فى هذا ولهذا لم يذكره ابن شاس فى الأمور التى يمتاز فيها قتالهم عن قتال الكفار ونصه يمتاز قتال البغاة عن قتال الكفار بأحد عشر وجها: منها أن يقصد بالقتال ردعهم لا قتلهم وأن يكف عن مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا تقتل أسراهم ولا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم.

[مذهب الشافعية]

جاء فى المهذب (٢): ان كان العدو ممن لم تبلغهم الدعوة لم يجز قتالهم حتى يدعوهم الى الاسلام لأنه لا يلزمهم الاسلام قبل العلم، والدليل عليه قوله عز وجل: «وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً» ولا يجوز قتالهم على ما لا يلزمهم.

وان بلغتهم الدعوة فالأحب أن يعرض عليهم الاسلام، لما روى سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لعلى كرم الله وجهه يوم خيبر: اذا نزلت


(١) المرجع السابق ج ٤ ص ٢٩٩.
(٢) المهذب ج ٢ ص ٢٣١، ص ٢٣٢.