وأما الرقبى: فهو أن يقول أرقبتك هذه الدار أو دارى لك رقبى، معناه وهبت لك، وكل واحد منا يرقب صاحبه، فان مت قبلى عادت، وان مت قبلك فهى لك فتكون كالمسألة الثالثة من العمرى وقد بينا أن الثالثة كالثانية، فتكون على قولين.
وقال المزنى الرقبى أن يجعلها لآخرهما موتا.
وهذا خطأ لما روى عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من أعمر عمرى أو أرقب رقبى فهى للمعمر يرثها من يرثه.
ولو قال: أرقبتك هذه الدار وهى لك رقبى فهى كالعمرى، لقول النبى صلى الله عليه وسلم العمرى جائزة والرقبى جائزة لأهلها رواه أبو داود وغيره، وقال الترمذى حديث حسن، نعم لو قال:
جعلتها لك عمرى أو حياتى لم تصح فى الأصح.
[مذهب الحنابلة]
جاء فى المغنى (١): أن العمرى والرقبى جائزتان اذ هما نوعان من الهبة، وذلك بأن يقول الرجل أعمرتك دارى هذه أو هى لك عمرى، أو ما عشت، أو مدة حياتك، أو ما حييت، أو نحو هذا، سميت عمرى، لتقييدها بالعمر، وعلى هذا اذا قال دارى لك عمرى، أو هى لك عمرك فهى له ولورثته من بعده.
والرقبى أن يقول: أرقبتك هذه الدار، أو هى لك حياتك على أنك ان مت قبلى عادت الى، وان مت قبلك فهى لك ولعقبك، فكأنه يقول: لآخرنا موتا، وبذلك سميت رقبى، لأن كل واحد فيهما يرقب موت صاحبه، وكلاهما جائزة فى قول أكثر أهل العلم.
وان قال سكناها لك عمرك كان له أخذها فى أى وقت أحب، لأن السكنى ليست كالعمرى والرقبى، اما اذا قال: سكنى هذه الدار لك عمرك أو أسكنها عمرك أو نحو ذلك فليس ذلك بعقد لازم، لأنه فى التحقيق هبة المنافع، والمنافع انما تستوفى بمضى الزمان شيئا فشيئا، فلا تلزم الا فى قدر ما قبضه منها واستوفاه بالسكنى.
وللمسكن الرجوع متى شاء، وأيهما مات بطلت الاباحة وبهذا قال أكثر العلماء وجماعة أهل الفتوى، وروى معنى ذلك عن حفصة.
وقال عطاء وقتادة: هى كالعمرى تكون له ولعقبه، لأنها فى معنى العمرى فيثبت فيها مثل حكمها.
وحكى عن الشعبى أنه اذا قال: هى لك اسكن حتى تموت فهى له حياته وموته، وان قال دارى هذه اسكنها حتى تموت فانها ترجع الى صاحبها، لأنه اذا قال
(١) المغنى لابن قدامه المقدسى الحنبلى ج ٦ ص ٣٠٢، ٣٠٣، ٣١٣، ٣١٤، ٣١٥ الطبعة السابقة.