للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثانى: أنه يجتهد فى ذلك فيأخذ فى ذلك بقول أعلمهم.

والثالث: أنه يأخذ بأغلظ‍ الاقوال.

وأما الطائفة الثانية فيصلح لها اذا استفتيت أن تفتى بما علمته من قول مالك وقول غيره من أصحابه اذا كانت قد بانت لها صحته، كما يجوز لها فى خاصتها الاخذ بقوله اذا بانت لها صحته، ولا يجوز لها أن تفتى بالاجتهاد فيما لا تعلم فيه نصا من قول مالك، أو قول غيره من أصحابه، وان كانت قد بانت لها صحته، اذ ليست ممن كمل لها آلات الاجتهاد الذى يصح لها بها قياس الفروع على الاصول.

وأما الطائفة الثالثة فهى التى يصح لها الفتوى عموما بالاجتهاد والقياس على الاصول التى هى الكتاب والسنة واجماع الامة بالمعنى الجامع بينها وبين النازلة، وعلى ما قيس عليها أن قدم القياس عليها، ومن القياس جلى وخفى، لان المعنى الذى يجمع بين الاصل والفرع قد يعلم قطعا بدليل قاطع لا يحتمل التأويل، وقد يعلم بالاستدلال فلا يوجب الا غلبة الظن، ولا يرجع الى القياس الخفى الا بعد القياس الجلى، وهذا كله يتفاوت العلماء فى التحقيق بالمعرفة به تفاوتا بعيدا، وتفترق أحوالهم أيضا فى جودة الفهم لذلك وجودة الذهن فيه افتراقا بعيدا، اذ ليس العلم الذى هو الفقه فى الدين بكثرة الرواية والحفظ‍، وانما هو نور يضعه الله حيث يشاء، فمن اعتقد فى نفسه أنه ممن تصح له الفتوى بما أتاه الله عز وجل من ذلك النور المركب على المحفوظ‍ المعلوم جاز له أن استفتى أن يفتى، واذا اعتقد الناس فيه ذلك جاز له أن يفتى، فمن الحق للرجل أن لا يفتى حتى يرى نفسه أهلا لذلك ويراه الناس أهلا له.

[مذهب الشافعية]

قال أبو عمرو بن الصلاح (١): المفتون قسمان: مستقل وغير مستقل.

فالمستقل شرطه أن يكون فقيها بمعرفة أدلة الاحكام الشرعية من الكتاب والسنة والاجماع والقياس وما التحق به على التفصيل، وقد فصلت فى كتب الفقه فتيسرت ولله الحمد، وأن يكون عالما بما يشترط‍ فى الادلة ووجوه دلالتها، وبكيفية اقتباس الاحكام منها، وهذا يستفاد من أصول الفقه، عارفا من علوم القرآن والحديث والناسخ والمنسوخ والنحو واللغة والتصريف واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذى يتمكن معه من الوفاء بشروط‍ الادلة والاقتباس منها، ذا دربة وارتياض فى استعمال ذلك، عالما بالفقه ضابطا لامهات مسائله وتفاريعه.


(١) المجموع شرح المهذب للنووى ويليه فتح العزيز شرح الوجيز لأبى القاسم عبد الكريم محمد الرافعى ج‍ ١ ص ٤٢ وما بعدها الطبعة السابقة.