فمن جمع هذه الاوصاف فهو المفتى المطلق المستقل الذى يتأدى به فرض الكفاية، وهو المجتهد المطلق المستقل، لانه يستقل بالادلة بغير تقليد وتقيد بمذهب أحد.
قال أبو عمرو: وما اشترطناه من حفظه لمسائل الفقه لم يشترط فى كثير من الكتب المشهورة لكونه ليس بشرط لمنصب الاجتهاد لان الفقه ثمرته فيتأخر عنه وشرط الشئ لا يتأخر عنه.
وشرطه الاستاذ أبو اسحاق الاسفرابينى وصاحبه أبو منصور البغدادى وغيرهما.
واشتراطه فى المفتى الذى يتأدى به فرض الكفاية هو الصحيح، وان لم يكن كذلك فى المجتهد المستقل، ثم لا يشترط أن يكون جميع الاحكام على ذهنه بل يكفيه كونه حافظا المعظم متمكنا من ادراك الباقى على فرب.
وهل يشترط أن يعرف من الحساب ما يصحح به المسائل الحسابية الفقهية؟ حكى أبو اسحاق وأبو منصور فيه خلافا لاصحابنا، والاصح اشتراطه.
ثم انما تشترط اجتماع العلوم المذكورة فى مفت مطلق فى جميع أبواب الشرع.
فأما مفت فى باب خاص كالمناسك والفرائض فيكفيه معرفة ذلك الباب.
كذا قطع به الغزالى وصاحبه ابن برهان وغيرهما.
ومنهم من منعه مطلقا.
وأجازه ابن الصباغ فى الفرائض خاصة والاصح جوازه مطلقا.
القسم الثانى المفتى الذى ليس بمستقل ومن دهر طويل عدم المفتى المستقل وصارت الفتوى الى المنتسبين الى ائمة المذاهب المتبوعة.
وللمفتى المنتسب أربعة أحوال.
(أحدها) أن لا يكون مقلدا لامامه لا فى المذهب ولا فى دليله لاتصافه بصفة المستقل، وانما ينسب اليه لسلوكه طريقه فى الاجتهاد.
وادعى الاستاذ أبو اسحاق هذه الصفة لاصحابنا، فحكى عن أصحاب مالك رحمهم الله وأحمد وداود وأكثر الحنفية أنهم صاروا الى مذاهب ائمتهم تقليدا لهم ثم قال.
والصحيح الذى ذهب اليه المحققون فيما ذهب اليه أصحابنا وهو أنهم صاروا الى مذهب الشافعى لا تقليدا له بل لما وجدوا طرقه فى الاجتهاد، والقياس أسد الطرق ولم يكن لهم بد من الاجتهاد سلكوا طريقه، فطلبوا معرفة الاحكام بطريق الشافعى.