فاقتبس زيد الاعتزال من واصل وصارت أصحابه كلها معتزلة وكان من مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل فقال: كان على بن أبى طالت أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت لأبى بكر لمصلحة رأوها، وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثائرة الفتنة، وتطييب قلوب العامة، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريبا وسيف أمير المؤمنين عليّ عليه السلام من دماء المشركين من قريش لم يجف بعد، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي. فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ولا تنقاد إليه الرقاب كل الانقياد وكانت المصلحة أن يقوم بهذا الشأن من عرفوه باللين والتودد والتقدم بالسن والسبق في الإسلام والقرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أبو بكر، ألا ترى أنه لما أراد في مرضه الذي مات فيه تقليدا لأمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه. زعق الناس وقالوا: لقد وليت علينا فظا غليظا، فما كان يرضون بأمير المؤمنين عمر لشدة وصلابة وغلظ له في الدين وفظاظة على الأعداء حتى سكتهم أبو بكر رضى الله عنه .. وكذلك يجوز أن يكون المفضول إماما .. والأفضل قائم فيرجع إليه في الأحكام ويحكم بحكمه في القضايا …
ولما سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة عن زيد وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين أبى بكر وعمر رفضوه حتى أتى عليه قدره فسمت رافضة .. وجرت بينه وبين أخيه محمد الباقر مناظرة لا من هذا الوجه بل من حيث كان يتتلمذ لواصل بن عطاء ويقتبس العلم ممن يجوز الخطأ. على جده في قتال الناكثين والقاسطين ومن يتكلم في القدر على غير ما ذهب إليه أهل البيت.
ومن حيث إنه كان يشترط الخروج شرطا في كون الإِمام إماما حتى قال له يوما: على قضية مذهبك والدك ليس بإمام فإنه لم يخرج قط ولا تعرض للخروج ..
ولما قتل زيد بن على هذا وصلب بكناسة الكوفة بيد هشام بن عبد الملك قام بالإمامة بعده ابنه يحيى بن زيد ومضى إلى خراسان واجتمعت عليه جماعات كثيرة، حتى قتل بجوزجان خراسان بيد أميرها وصلب، وكان قد وصل إليه الخبر من جعفر الصادق بن محمد البادر بن على زين العابدين بن الحسين أنه سيقتل ويصلب كما قتل أبوه زيد وصلب فجرى عليه الأمر كما أخبر، وذكر جعفر أن أباءه أخبروه بذلك كله وأن بنى أمية يتطاولون على الناس حتى لو طاولتهم الجبال لطالوا عليها وأنهم يستشعرون بغض أهل البيت.
ولم ينتظم أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان ناصر الأطروش وأريد قتله فاختفى واعتزل إلى بلاد الديلم والجبل وكان أهلها لم يتحلوا بدين الإسلام بعد، فدعى فيهم بدعوة الإِسلام على مذهب زيد بن على إمام الزيدية فدانوا بذلك ونشأوا عليه، وبقى الزيدية في تلك البلاد وظاهرين، وكان يخرج منهم واحد بعد واحد من الأئمة ويلى أمرهم وخالفوا بنى أعمامهم في مسائل الأصول .. وما أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول، مع وجود الأفضل، وطعنوا في الصحابة طعن الإمامية ..
ثم انقسم الزيدية بعد ذلك إلى ثلاث فرق:
[الجارودية]
أصحاب أبى الجارود وقد زعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قص على عليٍّ رضى الله عنه وعينه إماما من بعده بالوصف لا بالاسم إلا أن الناس قصروا