للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[(ب) جواز إيداعه وعدمه]

الحنفية: (١) من أودع رجلا وديعة فأودعها آخر فهلكت فله أن يضمن الأول وليس له أن يضمن الآخر فهذا عند أبى حنيفة رحمه الله وقالا: له أن يضمن أيهما شاء فإن ضمن الأول لا يرجع على الآخر وإن ضمن الآخر رجع على الأول لهما؛ إنه قيض المال من يد ضمين فيضمنه كمودع الغاصب وهذا لأن المالك لم يرض بأمانة غيره فيكون الأول متعديا بالتسليم والثانى بالقبض فيخير بينهما غير أنه إن ضمن الأول لم يرجع على الثاني لأنه ملكه بالضمان فظهر أنه أودع ملك نفسه وإن ضمن الثاني رجع على الأول لأنه عامل له فيرجع عليه بما لحقه من العهدة وله أنه قبض المال من يد أمين لأنه بالدفع لا يضمن ما لم يفارقه لحضور رأيه فلا تعدى منهما فإذا فارقه فقد ترك الحفظ الملتزم فيضمنه بذلك وأما الثاني فمستمر على الحالة الأولى ولم يوجد منه منع فلا يضمنه كالريح إذا ألقت في حجره ثوب غيره.

[مذهب المالكية]

(٢) ويضمن بإيداعها عند أمين لأن ربها لم يأتمن غيره بخلاف الملتقط فله الإيداع ولا ضمان عليه ويضمن بإيداعها ولو في حال سفره وقد أخذها في السفر قال فيها إن أودعت لمسافر مالا فأودعه في سفره ضمن وإنما بالغ على السفر لئلا يتوهم أنه لما قبلها فيه كان مظنة الإذن في الإيداع ومحل الضمان إذا أودعها لغير زوجه وأمة اعتيدا بذلك ومثلهما العبد والأجير في عياله والابن المعتاد ومن في ذلك بالتجربة مع طول الزمان وإلا ضمن ولا يضمن بإيداعها إذا كان الإيداع لعذر حدث للمودع كهدم الدار وجار السوء أو لإرادة سفر طرأ عليه عند عجز الرد لربها إلا إذا كان غائبا أو مسجونا فيجوز له إيداعها ولا ضمان عليه إن تلفت أو ضاعت وإذا كان العزر موجودا قبل الإِيداع وعلم ربها به فليس للمودع بالفتح الإيداع وإلا ضمن فإن لم يعلم ربها به فليس للمودع قبولها فإن قبلها وضاعت ضمن مطلقا أودع أم لا (٣).

[مذهب الشافعية]

(٤) وإن أودع الوديعة غيره من غير ضرورة ضمنها لأن المودع لم يرض بأمانة غيره فإن هلكت عند الثاني جاز لصاحبها أن يضمن الأول لأنه سلم ما لم يكن له تسليمه وله أن يضمن الثاني لأنه أخذ ما لم يكن له أخذه فإن ضمن الثاني فإن كان قد علم بالحال لم يرجع بما ضمنه على الأول لأنه دخل على أنه يضمن فلم يرجع فإن لم يعلم ففيه وجهان أحدهما أنه يرجع لأنه دخل على أنه أمانه فإذا ضمن رجع على من غيره والثاني أنه لا يرجع لأنه هلك في يده فاستقر الضمان عليه فإن ضمن الأول فإن قلنا أن الثاني إذا ضمن يرجع على الأول لم يرجع الأول عليه وإن قلنا أنه لا يرجع رجع الأول عليه فأما إذا استعان بغيره في حملها ووضعها في الحرز أو سقيها أو علفها فإنه لا يضمن لأن العادة قد جرت بالاستعانة ولأنه ما أخرجها عن يده ولا فوض حفظها إلى غيره.

[مذهب الحنابلة]

لا يجوز للوديع أن يودع الوديعة عند غيره وإلا ضمن وذلك عدم العذر أما إذا كان فيحوز


(١) الهداية جـ ٣ ص ١٦٠.
(٢) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ص ٤٢٣.
(٣) حاشية الدسوقي جـ ٤٢٤.
(٤) مهذب جـ ١ ص ٣٦١.