جاء في (تبيين الحقائق): أن الرجعة تنقطع بانقطاع الدم من الحيضة الثالثة لعشرة أيام، أما إذا انقطع الدم لأقل من عشرة أيام فلا تنقطع الرجعة حتى تغتسل؛ لأن الحيض لا مزيد له على العشرة فبتمامها يحكم بطهارتها وانقضاء العدة، سواء طهرت أو لم تطهر، وإنما شرطت الطهارة فيه اعتبارًا للغالب، أو يكون معناه: طهرت لتمام العشرة، أي لأجل أنها تمت لا لانقطاع الدم؛ لأنه لا يشترط فيه الانقطاع، لأن ما زاد على العشرة استحاضة، فوجود الانقطاع بعد تمام العشرة كعدمه، إلا أن الدم إن انقطع لعشرة أيام تنقطع الرجعة في الحال، وإن لم ينقطع وكان لها عادة فإنها ترد إلى عادتها، فيتبين أن الرجعة انقطعت من ذلك الوقت، وفيما دون العشرة يحتمل عود الدم، فلا بد أن يعضد الانقطاع بأخذ شئ من أحكام الطاهرات وذلك بالاغتسال؛ لأنه يحل لها به القراءة ودخول المسجد والصلاة وغيرها، أو يمضى عليها أدنى وقت صلاة؛ وهو قدر ما تقدر على الاغتسال والتحريمة، وما دون ذلك ملحق بمدة الحيض.
وقال زفر: لا تنقطع الرجعة ما لم تغتسل؛ لأن معها يتوهم عوده.
ولو اغتسلت بسؤر الحمار مع وجود الماء المطلق انقطعت الرجعة لكنها لا تصلى حتى تغتسل بماء آخر أو تتيمم - لاحتمال نجاسة ذلك الماء - احتياطًا، وإذا انقطع الدم لأقل من عشرة أيام ولم تجد ماءً فلا تنقطع الرجعة حتى تتيمم وتصلى، ولا فرق بين أن تكون الصلاة فرضًا أو تطوعًا.
وقال محمد: تنقطع الرجعة بمجرد التيمم، وهو القياس؛ لأن التيمم عند عدم الماء يُنزَّلُ منزلة الاغتسال، بدليل جواز الصلاة وجواز دخول المسجد وغير ذلك من الأحكام به. ولا فرق بين الحكم بجواز صلاة أديت وبين الحكم بجواز الإقدام على أدائها؛ إذ كل واحد منهما يشترط له الطهارة، فإذا كان كالاغتسال في حق الأحكام فكذا في حق هذا الحكم، بل أولى؛ لأن انقطاع الرجعة يؤخذ فيه بالاحتياط ألا ترى أنها لو اغتسلت وبقيت لمعة في جسدها لم يصبها الماء أو اغتسلت بسؤر الحمار انقطعت الرجعة وإن لم يحل لها أداء الصلاة، ودليل الرأى الآخر أن التيمم طهارة ضرورية لكونه تلويثًا حقيقة، وهذا لأنه لا يرفع الحدث بيقين حتى لو وجد الماء كان محدثًا بالحدث السابق، وإنما جعل طهارةً ضرورةً الحاجة إلى أداء الصلاة كيلا تتضاعف الواجبات عليها. والثابت ضرورة يتقدر بقدرها وهى أداء الصلاة وتوابعها من دخول المسجد وقراءة القرآن فكان في حق الرجعة عدمًا إلا إذا حكمنا بجواز الصلاة؛ بالأداء فيلزمه الحكم بطهارتها ضرورة صحة الصلاة لأنها لا تصح إلا من الطاهرات، فيلزمه انقطاع الرجعة ضرورة حكمنا بها، وقبل الأداء لا يحكم لها بشئ؛ لأن حل الإقدام على الأداء مشروط باستمرار العجز، ولهذا تعيد الصلاة إذا وجدت الماء في خلال الأداء، بخلاف ما إذا اغتسلت وبقى في جسدها لمعة؛ لأن انقطاع الرجعة هنا لتوهم وصول الماء إلى ذلك الموضوع وسرعة الجفاف فكانت طهارة مطلقة قوية حتى لو تيقنت بعدم وصول الماء إليه بأن تركته عمدًا لا تنقطع الرجعة أيضًا، وبخلاف الاغتسال بسؤر الحمار؛ لأنه ماء حقيقة فيكون مطهرًا مطلقًا،