للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأنكره وصالحه ورهنه به رهنًا كان الرهن مفسوخًا؛ لأنه لا يلزم الصلح على الإنكار (١).

وفى موضع آخر: قال الشافعي: وإذا ادَّعى الرجل على الرجل دعوى فأنكر المدعى عليه، ثم صالح المدعى من دعواه على شئ وهو منكر، فالقياس أن يكون الصلح باطلًا من قبل أنا لا جيز الصلح إلّا بما تجوز به البيوع من الأثمان الحلال المعروفة، فإذا كان هذا هكذا عندنا وعند من يجيز الصلح على الإنكار كان هذا عوضًا (٢).

وجاء في (أسنى المطالب): أن الصلح على الإنكار باطل سواء أجرى على غير المدَّعَى من عين أو دين أو منفعة أم على نفس المدعى به (٣).

وجاء في (مغنى المحتاج): أن الصلح على الإنكار أو السكوت من المدعى عليه كأن يدعى عليه شيئًا فينكره أو يسكت ثم يصالح عنه، فإن هذا الصلح يبطل، وإن جرى الصلح على نفس المدعى، كأن يدعى عليه دارًا فيصالحه ليها بأن يجملها للمدعى أو للمدعى عليه فكلا الصورتين باطلة (٤):

[مذهب الحنابلة]

جاء في (كشاف القناع): أن الصلح على الإنكار أن يدّعى إنسان على إنسان عينًا في يده أو دينًا في ذمته فينكره المدعى عليه أو يسكت وهو يجهله، أي المدعى عليه به، ثم يصالحه على مال فيصح الصلح في قول أكثر العلماء لعموم الأدلة؛ فإن قيل قال عليه السلام: "إلّا صلحًا أحل حرامًا" (٥) وهذا داخل فيه؛ لأنه لم يكن له أن يأخذه من مال المدعى عليه فحل بالصلح، فالجواب أنه لا يصح دخوله فيه، ولا يمكن حمل الخبر عليه لأمرين. أحدهما: أن ما ذكر ما يوجد في الصلح بمعنى الهبة، فإنه يحل للمرهون ما كان حرامًا".

الأمر الثاني: لو حلَّ به المحرم لكان الصلح صحيحًا؛ لأن الصلح الفاسد لا يحل الحرام، وإنما معناه ما يتوصل به إلى تناول المحرم مع بقائه على تحريمه، نحو أن يصالح حرًا على استرقاقه. وإنما يصح الصلح على الإنكار بعقد ونسيئة متعلق بيصح؛ لأن المدعى ملجأ إلى التأخير بتأخير خصمه (٦).

[مذهب الظاهرية]

جاء في (المحلى): لا يحل الصلح ألبتة على الإنكار ولا على السكوت الذي لا إنكار معه ولا إقرار ولا على إسقاط يمين قد وجبت ولا على أن يصالح مقرٌ على غيره. وذلك الذي صولح غنه منكر، وإنما يجوز الصلح مع الإقرار بالحق فقط. قال أبو محمد: برهان صحة قولنا قول الله تبارك وتعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (٧). وقول رسول الله: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" (٨) فصح أن كل مال حرام على غير صاحبه، ويحرم على صاحبه أن يبيحه لغيره إلّا حيث أباح القرآن والسنة إخراجه، أو أوجبا


(١) الأم: ٣/ ١٤٢.
(٢) السابق: ٧/ ١٩.
(٣) أسنى المطالب: ٢/ ٢١٧.
(٤) مغني المحتاج: ٣/ ١٦٦.
(٥) سنن أبى داود، كتاب الأقضية، باب في الصلح:٢/ ٣٢٧.
(٦) كشاف القناع: ٢/ ١٩٦.
(٧) سورة النساء. الآية: ٢٩.
(٨) صحيح البخارى في عدة مواضع منها في كتاب العلم باب ليبلغ الشاهد الغائب. وكتاب الحج باب الخطبة آيام منى، وكتاب المغازى. باب حجة الوداع وهو في صحيح مسلم كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء … إلخ.