للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولا: دخول العوام فى الإجماع.

يرى الغزالى أنه «يتصور دخول العوام فى الإجماع، فإن الشريعة تنقسم إلى ما يشترك فى دركه العوام والخواص كالصلوات الخمس، ووجوب الصوم، والزكاة، والحج، فهذا مجمع عليه، والعوام وافقوا الخواص فى الإجماع، وإلى ما يختص بدركه الخواص، فتفصيل أحكام الصلاة والبيع والتدبير والاستيلاد، فما أجمع عليه الخواص فالعوام متفقون على أن الحق فيه ما أجمع عليه أهل الحل والعقد لا يضمرون فيه خلافا أصلا، فهم موافقون أيضا فيه، ويحسن تسمية ذلك إجماع الأمة قاطبة.

فإذا كل مجمع عليه من المجتهدين فهو مجمع عليه من جهة العوام وبه يتم إجماع الأمة.

فإن قيل: فلو خالف عامى فى واقعة أجمع عليه الخواص من أهل العصر، فهل ينعقد الإجماع دونه؟

إن كان ينعقد فكيف خرج العامى من الأمة، وإن لم ينعقد فكيف يعقد بقول العامى؟

قلنا: قد اختلف الناس فيه، فقال قوم:

لا ينعقد، لأنه من الأمة فلا بد من تسليمه بالجملة أو بالتفصيل.

وقال آخرون - وهو الأصح - إنه ينعقد بدليلين:

أحدهما: إن العامى ليس أهلا لطلب الصواب، إذ ليس له آلة هذا الشأن، فهو كالصبى والمجنون فى نقصان الآلة، ولا يفهم من عصمة الأمة من الخطأ إلا عصمة من يتصور منه الإصابة، لأهليته.

والثانى - وهو الأقوى - أن العصر الأول من الصحابة قد أجمعوا على أنه لا عبرة بالعوام فى هذا الباب، أعنى خواص الصحابة وعوامهم، ولأن العامى إذا قال قولا علم أنه يقوله عن جهل، وأنه ليس يدرى ما يقول، وأنه ليس أهلا للوفاق والخلاف فيه، وعن هذا لا يتصور صدور هذا من عامى عاقل، لأن العاقل يفوض ما لا يدرى إلى من يدرى (١).

ويقول عبد العزيز البخارى فى حاشيته على كشف الأسرار: «اعلم أن الإجماع إنما صار حجة بالنصوص الواردة بلفظ‍ «الأمة» مثل قوله تعالى: «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً».

وقوله جل ذكره «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ».

وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تجتمع أمتى على الضلالة» وهذا اللفظ‍ يتناول بظاهره كل مسلم.

ثم ذكر ما ذكره الغزالى عن الطرفين الواضحين فى النفى والإثبات، وأن الأطفال والمجانين، والأجنة، لا يدخلون، وأضاف إليهم من سيولد إلى يوم القيامة، لأنه وان


(١) ص ١٨١، ١٨٢ من المستصفى ج‍ ١.