للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حين خرج في غزوة بواط، ومنهم عثمان بن أبي العاص إذ استعمله - صلى الله عليه وسلم - على الطائف، ومنهم عمرو بن حزم الأنصارى الذي استعمله على نجران وكتب وكتب إليه كتابه في الفرائض والزكاة والديات، ومنهم أبو بكر إذ استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحج عقب فتح مكة. وغير هؤلاء كثير بعث بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى الجهات في جزيرة العرب ليقوموا على تعليم الناس القرآن وجمع الصدقات وإحضارها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصرفها في مصارفها الشرعية (١). وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا استعمل أميرا على جهة عهد إليه بما يرشده ويسدده في عمله حتى يقوم به خير قيام. ومن ذلك عهده إلى عمرو بن حزم ونصه كما ذكره ابن هشام في شيرته بعد البسملة: هذا بيان من الله ورسوله، يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود عهدا من محمد رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره كله فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم به ويعلمهم القرآن ويفقههم فيه وينهى الناس فلا يمس القرآن إنسان إلا وهو طاهر ويخبر الناس بالذي هو لهم والذي عليهم ويبين للناس الحق ويشهد عليهم في الظلم فإن الله كره الظلم ونهى عنه فقال ألا لعنة الله على الظالمين إلى آخر الكتاب (٢).

الفرق بين الإِمارة والولاية:

الولاية لها عدة معان منها الصداقة والنصرة وتولّى الأمر، والذي يعنينا في موضوعنا - هو الولاية بمعنى تَوَلِّى الأمر والاضطلاع به. ويقال فيه وليت الأمر إليه ولاية ووليت البلد وولّيت عليه فأنا وال والجمع وُلاة واسم المفعول مولى عليه. والولى على الشئ من ملك أمره وكان له القيام عليه أو قام به.

والولاية في استعمال الفقهاء سلطة شرعية على النفس أو على المال أو على الجماعة يترتب عليها نفاذ قول صاحبها أو فعله فيمن يلى عليه شرعا ويكون بها صاحبها مؤاخذا بقوله وفعله في حق نفسه إذا تصرف تصرفا قوليا فتزوج أو باع أو تصرف تصرفا فعليا فاعتدى على مال غيره إذ يلزمه عندئذ ضمانه كما يكون بها صاحبها نافذ التصرف في حق من يلى عليه من صبى أو محجور عليه أو غيرهما من جماعة الناس في حدود ولايته التي حددها الشارع. فكان له بيع الأموال واستثمار العقار وعمارة البناء كما يكون له بها جمع الزكاة وتولى شؤون البلد العامة فيما هو من ولايته بمقتضى إقامته ممن له الأمر عليهم - وهى بهذا المعنى لثبت بطريق الإِيصاء للوصى وبطريق الإِقامة للقيم على السفيه وبطريق الوكالة للوكيل وبطريق القرابة حسب المنصوص عليه لمن يرتبطون برباط النسب بعضهم على بعض في النفس والمال جميعا أو في أحدهما وبطريق التولية من ذى السلطان. وهى في حال ثبوتها شرعا بالقرابة أو حال ثبوتها على نفس الولى حقٌّ ذاتى يثبت لصاحبه شرعا فلا يقبل الإِسقاط من صاحبه وكانت لذلك في معنى التكليف.

والولاية إما عامة كالولاية على الجماعة في أمر عام يخصهم كما في ولاية الصلاة وولاية جمع الصدقات وولاية الخراج وإما خاصة كما


(١) الترتيبات الإدارية ص ٢٤٠ وما بعدها.
(٢) سيرة ابن هشام جـ ١ ص ٨.