للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عهد لا حديثه عهد بنفاس فخشيت ان أنا جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحسنت رواه مسلم والنسائى وأبو داود ولفظه قال فأتيته فقال يا على أفرغت فقلت آتيتها ودمها يسيل فقال دعها حتى ينقطع عنها الدم ثم أقم عليها الحد والمريض على ضربين أحدهما يرجى برؤة فقال أصحابنا يقام عليه الحد ولا يؤخر كما قال أبو بكر فى النفساء وهذا قول اسحق وأبى ثور لأن عمر رضى الله تعالى عنه أقام الحد على قدامة بن مضعون فى مرضه ولم يؤخره وانتشر ذلك فى الصحابة فلم ينكروه فكان اجماعا ولأن الحد واجب فلا يؤخر ما أوجب الله بغير حجة قال القاضى وظاهر قول الخرقى تأخيره لقوله فيمن يجب عليه الحد وهو صحيح عاقل لحديث على رضى الله عنه فى التى هى حديثة عهد بنفاس وما ذكرناه من المعنى وأما حديث عمر فى جلد قدامة فانه يحتمل أنه كان مريضا مرضا خفيفا لا يمنع من اقامة الحد على الكمال ولهذا لم ينقل عنه أنه خفف عنه فى سوط‍ وانما اختار له سوطا وسطا كالذى يضرب به الصحيح ثم انه فعل النبى صلّى الله عليه وسلّم يقدم على فعل عمر مع أنه اختيار على وفعله كذلك الحكم فى تأخيره لأجل الحر والبلاد والمفرط‍ والضرب الثانى المريض الذى لا يرجى برؤه فهذا يقام عليه فى الحال ولا يؤخر بسوط‍ يؤمن معه التلف كالقضيب الصغير وشمراخ النخل فان خيف عليه من ذلك جمع ضغث فيه مائة شمراخ فضرب به ضربة واحدة لما روى أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن بعض أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلّم أن رجلا منهم اشتكى حتى ضنى فدخلت عليه امرأة فهش لبها فوقع بها فسئل له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمر صلّى الله عليه وسلّم أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه ضربة واحدة ولا يجوز جلدا تاما لأنه يفضى الى اتلافه فتعين ما ذكرناه وفى المغنى أنه لا يقام الحد على السكران حتى يصحو روى هذا عن عمر بن عبد العزيز والشعبى وبع قال الثورى لأن المقصور الزجر والتنكيل وحصوله باقامة الحد عليه فى صحوه ثم فينبغى أن يؤخر اليه.

[كيفية اقامة الحد]

جاء فى الشرح الكبير (١) أن الرجل يضرب قائما وقد روى حنبل أنه يضرب قاعدا لأن الله تعالى لم يأمر بالقيام ولأنه مجلود فى حد أشبه المرأة ويدل لنا قول على رضى الله عنه لكل موضع من الحد حظ‍ الوجه والفرج وقال للجلاد أضرب وأوجع واتق الرأس والوجه ولأن قيامه وسيلة الى اعطاء كل عضو حظه من الضرب وقوله ان الله لم يأمر بالقيام قلنا ولم يأمر بالجلوس ولم يذكر الكيفية فعلمناها من دليل آخر ولا يصح قياس الرجل على المرأة فى هذا لأن المرأة يقصد سترها ويخشى هتكها اذا ثبت هذا فانه يضرب بسوط‍ وحكى عن بعضهم أن حد الشرب يقام بالأيدى والنعال وأطراف الثياب لما روى أبو هريرة أن النبى صلّى الله عليه وسلّم أتى برجل قد شرب فقال أضربوه قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه.

والدليل على أن الضرب يكون بالسوط‍ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إذا شرب الخمر فاجلدوه والجلد إنما يفهم من اطلاقه الضرب بالسوط‍ والخلفاء الراشدون ضربوا فيه بالسياط‍ وكذلك غيرهم فصار اجماعا ولأنه ضرب فى حد فكان بالسوط‍ كغيره فأما حديث أبى هريرة فكان فى بدء الاسلام ثم جلد النبى صلّى الله عليه وسلّم واستقرت الأمور فقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم جلد أربعين وجلدا أبو بكر رضى الله عنه أربعين وجلدا


(١) المغنى لابن قدامة ظ‍ ص ٣٣٥، ١٢٧، ١٢٨، ١٢٩ وما بعدها