المعانى، ولا يريد الابتعاد عنه بالمقدار الذى يبتعد به الفريق الأول.
وللفريق الأول فى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم معين. فقد كان حريصا على توجيههم إلى المعانى وتذوق أسرار التشريع. فقد قال لمن سأله أيقضى أحدنا شهوته ويؤجر: أرأيت لو وضعها فى حرام أكان يأثم؟ قال: نعم. قال: فكذلك يؤجر، أفتجزون بالشر ولا تجزون بالخير؟ وقال لمن أخبره أن امرأته ولدت غلاما أسود: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال:
ما ألوانها؟ قال: حمر. قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقا. قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: عسى أن يكون نزعة عرق. قال: فهذا عسى أن يكون نزعة عرق.
وقال لعمر بن الخطاب حين سأله عن قبلة الصائم لامرأته: أرأيت لو تمضمض بماء ومجه وهو صائم؟ قال عمر: لا بأس. قال:
فكذلك هذا.
وقال للخثعمية حين سألته عن الحج عن أبيها: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ذلك ينفعه؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق.
وأمر المسلمين ألا يصلوا العصر إلا فى بنى قريظة. فوقف بعضهم عند ظاهر الأمر.
وتفهم الآخرون المعنى وعملوا بما رأوا أنه مرماه فما عابهم، وهذه هى سنة القراّن الكريم فى مخاطبة العقول ودعوتها الى التدبر والنظر فى جميع الأمور.
أما الفريق الثانى فآثر ما يراه احتياطا فى الوصول إلى حكم الله، وطلب السلامة لنفسه فى ذلك.
ومن طبيعة الاتجاه الأول أن يحمل صاحبه متى اطمأن إلى غزارة علمه وقوة إدراكه، على البحث والنظر فيما ورد بالكتاب والسنة من جهة دلالة اللفظ ودلالة المعنى مع الغوص والتعمق، ثم الإقدام على الفتيا وعدم التهيب.
ومن طبيعة الاتجاه الثانى أن يحمل صاحبه على التهيب وتمنى أن لو كفاه الأمر غيره. وكان على الاتجاه الأول أم المؤمنين عائشة وعمر وعلى وابن مسعود وزيد وابن عباس وغيرهم من فقهاء الصحابة المكثرين.
كما كان عليه فقهاء المدينة السبعة وبخاصة ابن المسيب الذى كان يسمى سعيدا الجرئ، ومسروق وعلقمة والزهرى وربيعة وإبراهيم النخعى وحماد وأبو حنيفة وأصحابه وابن أبى ليلى والأوزاعى والشافعى والمزنى وأبو ثور وكثيرون من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار.
وكان على الاتجاه الثانى مثل أبى الدرداء وابن سيرين وأحمد بن حنبل وبعض فقهاء الأمصار، ثم انتهت نزعة التهيب ولم يبق لها إلا أثر ضئيل حتى فى طور التقليد.
أما الرأى الذى لا يقف عند دلالة ما نزل به الوحى ويعتمد على استحسان العقول فذلك هو الرأى المذموم الذى حمى الله سبحانه وتعالى منه جميع المجتهدين.
[أهل الظاهر]
أما أهل الظاهر فإنهم ينكرون ما للمعانى من دلالة، ولا يقولون بتعليل ولا قياس.
ولا يعتمدون إلا على ظاهر النص. ويرون أنه لا حاجة إلى القول بالتعليل والقياس، والنصوص تفى بالأحكام ما دامت هذه