للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجوبه لأنه من جملة أهب الطريق فهو كالراحلة. والوجه الثاني: لا يجب لأن سبب الحاجة إلى ذلك خوف الطريق وخروجها عن الاعتدال وقد ثبت أن أمن الطريق شرط هكذا ذكر الوجهين إمام الحرمين وتابعه الغزالى والرافعى والذي ذكره المصنف وجماهير الأصحاب من العراقيين والخراسانيين أنه إذا احتاج إلى خفارة لم يجب الحج فيحمل على أنهم أرادوا بالخفارة ما يأخذه الرصديون في المراصد وهذا لا يجب الحج معه بلا خلاف ولا يكونون متعرضين لمثله قال إمام الحرمين ويحتمل أنهم أرادوا الصورتين فيكون خلاف ما قاله ولكن الاحتمال الأول أصح وأظهر في الدليل فيكون الأصح على الجملة وجوب الحج إذا وجدوا من يصحبهم الطريق بخفارة ودليله ما ذكره الإمام وقد صححه إمامان من محققى متّأخرى أصحابنا أبو القاسم الرافعى وأبو عمرو بن الصلاح مع اطلاعهما على عبارة الأصحاب التي ذكرناها والله أعلم ولو امتنع محرم المرأة من الخروج معهما إلا بأجرة قال إمام الحرمين هو مقيس على أجرة الخفير واللزوم في المحرم أظهر لأن الداعى إلى الأجرة معنى في المرأة فهو كمؤنة المحمل في صد المحتاج إليه والله أعلم. ثم قال المصنف رحمه الله تعالى وإن لم يكن له طريق إلا في البحر فقد قال في الأم لا يجب عليه وقال في الإملاء إن كان أكثر معاشه في البحر لزمه. فمن أصحابنا من قال فيه قولان أحدهما يجب لأنه طريق مسلوك فأشبه البر والقول الثاني لا يجب لأن فيه تغريرًا بالنفس والمال فلا يجب كالطريق المخوف ومنهم من قال إن كان الغالب منه السلامة لزمه وإن كان الغالب من الهلاك لم يلزمه كطريق البر ومنهم من قال إن كان له عادة بركوبه لزمه وإن لم يكن له عادة بركوبه لم يلزمه لأن من له عادة لا يشق عليه ومن لا عادة له يشق عليه واختلفت نصوص الشافعي في ركوب البحر فقال في الأم والإملاء ما ذكره المصنف.

وقال في المختصر ولا يتبين لى أن أوجب عليه ركوب البحر قال أصحابنا إن كان في البحر طريق يمكن سلوكه قريب أو بعيد لزمه الحج بلا خلاف وإن لم يكن ففيه طرق أصحها وبه قال أبو إسحاق المرندى وأبو سعيد الاصطخرى وغيرهما فيما حكاه صاحب الشامل والتتمة وغيرهما أنه إن كان الغالب منه الهلاك إما لخصوص ذلك البحر وإما لهيجان الأمواج لم يجب الحج وإن غلبت السلامة وجب وإن استويا فوجهان أصحهما أنه لا يجب.

[مذهب الحنابلة]

في الكشاف (١) أن من شروط وجوب الحج والعمرة الاستطاعة ثم قال (٢) ومن الاستطاعة أمن طريق يمكن سلوكه لأن إيجاب الحج مع عدم بيان ذلك ضرر وهو منفى شرعًا ولو كان الطريق الممكن سلوكه بحرًا لحديث "لا تركبوا البحر إلا حاجًا أو معتمرًا أو غازيًا في سبيل الله" رواه أبو داود وسعيد ولأنه يجوز ركوبه مع غلبة السلامة للتجارة فيه حتى بأموال اليتامى وما روى عن النهى عن ركوبه محمول على ما إذا لم تغلب فيه السلامة أو كان الطريق غير معتاد لأن


(١) شرح المنتهى لشيخ الإسلام الشيخ منصور بن يونس البهوتى على كشاف القناع جـ ١ ص ٦١٠ الطبعة الأولى طبع مطبعة العامرة الشرقية سنة ١٢١٩ هـ.
(٢) المرجع السابق جـ ١ ص ٦١٢ الطبعة السابقة.