للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمجنون والذى يسمع ولا يفهم بل السكران أسوأ حالا من النائم الذى يمكن تنبيهه ومن المجنون الذى يفهم كثيرا من الكلام، وأما نفوذ طلاقه ولزوم الغرم فذلك من قبيل ربط‍ الأحكام بالأسباب وذلك مما لا ينكر.

استحالة الجمع بين الحرمة والوجوب

فى فعل واحد من جهة واحدة

يقول الآمدى (١) فى كتابه الاحكام فى أصول الأحكام: اتفق العقلاء على استحالة الجمع بين الحظر والوجوب فى فعل واحد من جهة واحدة وذلك لتقابل حديهما اذ الواجب عبارة عن خطاب الشارع بما ينتهض تركه سببا للذم شرعا فى حالة ما، أما المحظور فهو ما ينتهض فعله سببا للذم شرعا بوجه ما من حيث هو فعل له وعلى ذلك فان الجمع بينهما مستحيل الا على رأى من يجوز التكليف بالمحال وانما الخلاف فى أنه هل يجوز انقسام النوع الواحد من الأفعال الى واجب وحرام وذلك كالسجود لله تعالى والسجود للصنم، وأن يكون الفعل الواحد بالشخص واجبا حراما من جهتين وذلك كوجوب الفعل المعين الواقع فى الدار المغصوبة كالصلاة من حيث هى صلاة وتحريمه من حيث أنه غاصب شاغل لملك الغير، يقول الآمدى: ان ذلك مما جوزه أصحابنا وأكثر الفقهاء مطلقا وخالف فى الصورة الاولى بعض المعتزلة وقالوا:

ان السجود نوع واحد وهو مأمور به لله تعالى فلا يكون حراما ولا منهيا عنه بالنسبة الى الصنم من حيث هو سجود والا كان الشئ الواحد مأمورا به منهيا عنه وذلك محال، وانما المحرم المنهى عنه هو قصد تعظيم الصنم وهو غير السجود فالساجد للصنم عاص بقصد تعظيم الصنم لا بنفس السجود، ويقول الغزالى (٢): اذا عرفت أن الحرام ضد الواجب لأنه المقتضى تركه والواجب هو المقتضى فعله فلا يخفى عليك أن الشئ الواحد يستحيل أن يكون واجبا حراما، طاعة معصية فى آن واحد، والواحد ينقسم الى واحد بالنوع والى واحد بالتعيين، أما الواحد بالنوع كالسجود مثلا فانه نوع واحد من الأفعال فيجوز أن ينقسم الى الواجب والحرام ويكون انقسامه بالأوصاف والاضافات كالسجود لله تعالى والسجود للصنم اذ أحدهما واجب والآخر حرام ولا تناقض، وذهب بعض المعتزلة الى أنه مناقض فان السجود نوع واحد مأمور به فيستحيل أن ينهى عنه بل الساجد للصنم عاص بقصد تعظيم الصنم لا بنفس السجود وهذا خطأ فاحش فانه اذا تغاير متعلق الأمر والنهى لم يتناقض والسجود للصنم غير السجود لله تعالى لان اختلاف الاضافات والصفات يوجب


(١) الاحكام للآمدى ج‍ ١ ص ١٦٢، ١٦٣.
(٢) المستصفى للامام الغزالى ج‍ ١ ص ٧٦ وص ٧٧ الطبعة السابقة.