للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المغايرة اذ الشئ لا يغاير نفسه والمغايرة تارة تكون باختلاف النوع وتارة باختلاف الوصف وتارة باختلاف الاضافة وقد قال الله تعالى: «لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ» (١)، وليس المأمور به هو المنهى عنه والاجماع منعقد على أن الساجد للشمس عاص بنفس السجود والقصد جميعا فقولهم ان السجود نوع واحد لا يغنى مع انقسام هذا النوع الى أقسام مختلفة المقاصد اذ مقصود هذا السجود تعظيم الصنم دون تعظيم الله تعالى، واختلاف وجوه الفعل كاختلاف نفس الفعل فى حصول الغيرية الرافعة للتضاد فان التضاد انما يكون بالاضافة الى واحد ولا وحدة مع المغايرة، وأما الواحد بالتعيين كصلاة زيد فى دار مغصوبة من عمرو فحركته فى الصلاة فعل واحد بعينه هو مكتسبه ومتعلق قدرته فالذين سلموا فى النوع الواحد نازعوا ههنا فقالوا: لا تصح هذه الصلاة اذ يؤدى القول بصحتها الى أن تكون العين الواحدة من الافعال حراما واجبا وهو متناقض فقيل لهم: هذا خلاف اجماع السلف فانهم ما أمروا الظلمة عند التوبة بقضاء الصلوات المؤداة فى الدور المغصوبة مع كثرة وقوعها ولا نهوا الظالمين عن الصلاة فى الأراضى المغصوبة فأشكل الجواب على القاضى أبى بكر رحمه الله تعالى فقال:

يسقط‍ الوجوب عندها لا بها بدليل الاجماع ولا يقع واجبا لأن الواجب ما يثاب عليه وكيف يثاب على ما يعاقب عليه وفعله واحد هو كونه فى الدار المغصوبة وسجوده وركوعه أكوان اختيارية هو معاقب عليها ومنهى عنها، ونقول: الفعل وان كان واحدا فى نفسه فاذا كان له وجهان متغايران يجوز أن يكون مطلوبا من أحد الوجهين مكروها من الوجه الآخر وانما المحال أن يطلب من الوجه الذى يكره بعينه وفعله من حيث أنه صلاة مطلوب ومن حيث أنه فى مكان مغصوب مكروه والغصب معقول دون الصلاة والصلاة معقولة دون الغصب وقد اجتمع الوجهان فى فعل واحد ومتعلق الأمر والنهى الوجهان المتغايران، وجاء فى مسلم (٢) الثبوت يجوز فى الواحد بالجنس اجتماع الوجوب والحرمة كالسجود لله وللشمس فانهما نوعان لمطلق السجود الواحد الجنسى مع وجوب الاول وحرمة الثانى، ومنع بعض المعتزلة هذا الاجتماع مكابرة لا يلتفت اليه وصرفهم السجود الى قصد التعظيم بأن السجود ليس حراما ولا واجبا، انما الواجب تعظيم الله سبحانه وتعالى والمحرم تعظيم الشمس .. لا يجدى، وانما الكلام فى وجوب شئ وحرمته بأن يتصف بهما فى أشخاصه سواء سمى


(١) الآية رقم ٣٧ من سورة فصلت.
(٢) مسلم الثبوت وشارحه فواتح الرحموت ج‍ ١ ص ١٠٤ وص ١٠٥ وص ١٠٦ الطبعة السابقة.