للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفى حاشية ابن عابدين على الدر المختار المشهور فى كتب الفقه أن الاقطاع تمليك الخراج مع بقاء رقبة الأرض لبيت المال ومؤدى هذا أنه يكون فى خراج الأرض أى ثمراتها ومنافعها وهى الأرض الخراجية التى تعد رقبتها ملكا لبيت المال أما الأرض العشرية فالغالب فيها أن تكون ملكا لأربابها فلا يجوز فيها الاقطاع لما فيه حينئذ من الاعتداء على حقوقهم. اما الأرض الخراجية التى تركت فى يد أهلها على أن تكون ملكا لهم فان ما يوظف عليها من خراج مملوك لبيت المال، ولذا يجوز للامام الاقطاع فيه اذا ما اقتضت المصلحة ذلك أو اذا كان لمن هو مصرف له عند أبى يوسف، وأما الأرض التى لا مالك لها وهى أرض الموات - فيجوز الاقطاع فيها كما سيأتى: وأكثر استعمال الفقهاء على اختلاف مذاهبهم لاسم الاقطاع - انما هو فى اقطاع الأرض ولا يكادون يستعملونه فى غيرها الا قليلا بل ان منهم كالظاهرية والشيعة من لا يستعملونه فى غير الأرض.

[من له حق الاقطاع]

لا يكون الاقطاع الا من الامام أو نائبه الذى جعل له الامام ولاية ذلك لأنه انما يكون فى أموال بيت المال أو فى الأموال التى لا مالك لها ولكنها تحت سلطانه وحمايته وأمر التصرف فى ذلك انما هو للامام وذلك ما نص عليه فى أكثر كتب الفقه.

[مشروعيته]

والاقطاع مشروع بالسنة، فقد ورد كثير من الآثار التى تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقطع كثيرا من أصحابه، نكتفى منها بما يلى ذكره: عن ابن عباس رضى الله عنه قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحرث المزنى معادن القبلية «جلسيها» وعوريها، وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم، رواه أحمد وأبو داود، وروى أيضا من حديث عمرو بن عوف المزنى. الجلسى: بفتح الجيم: وسكون اللام وكسر السين بعدها ياء النسب المرتفع من الأرض وضده، الغور والقدسى: الصالح للزراعة منها. وعن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما قالت: كنت أنقل النوى من أرض الزبير التى أقطعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اياه. وفى البخارى أن النبى صلّى الله عليه وسلّم أقطع الزبير بن العوام أرضا من أموال بنى النضير وعن وائل بن حجر أن النبى صلّى الله عليه وسلم أقطعه أرضا بحضر موت وبعث معاوية ليعطيها اياه. رواه الترمذى وصححه. قال الشوكانى: والأحاديث فى الاقطاع الذى صدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم عديدة، وهى تدل على أنه يجوز للأئمة اقطاع الأراضى وتخصيصها لمن قطعت اياهم وذلك اذا كان فى الاقطاع مصلحة رآها الامام كما تدل على جواز اقطاع المعادن أيضا. والمراد بالاقطاع جعل الأرض الموات أو المعدن مختصا ببعض الأشخاص سواء أكان ذلك أرضا تحوى معدنا أم أرضا للأحياء (١). وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:

لو جاءنى مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا فلم يجئ حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء مال البحرين أمر


(١) نيل الأوطار ج‍ ٥ ص ٢٦٢ وما بعدها.