للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، ومن كانت عنده شهادة لآدمى فان كان صاحبها يعلم بذلك لم يشهد قبل أن يسأل لقوله عليه السلام «خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب يشهد الرجل قبل أن يستشهد» وان كان صاحبها لا يعلم شهد قبل أن يسأل لما روى زيد بن خالد رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «خير الشهود الذى يأتى بالشهادة قبل أن يسألها».

[مذهب الحنابلة]

قال الحنابلة (١): تطلق الشهادة على التحمل وعلى الأداء لقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» وقال «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ» الآية وانما خص القلب بالاثم لأنه موضع العلم بها، وأداء الشهادة فى غير حق الله تعالى فرض عين لقوله تعالى «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ» وان قام بالفرض فى التحمل والأداء اثنان سقط‍ الوجوب عن الجميع لحصول الفرض. لكن الأداء فرض عين على المذهب كما ذكره أولا خلافا للموفق وتابعيه، وان امتنع الكل عن التحمل أو الأداء أثموا لقوله تعالى «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ»، ويختص الأداء بمجلس الحكم لأن السماع بغيره لا يحصل به مقصودها كما تقدم فان كان الحاكم غير عدل لا يشهد، نقل أبو الحكم عن أحمد كيف أشهد عند رجل ليس عدلا؟ ويباح لمن عنده شهادة بحد الله تعالى اقامتها. وقال القاضى والموفق تركها أولى، ولا يستحب الشهادة بحق الله تعالى لحديث: من ستر عورة مسلم ستره الله فى الدنيا والآخرة، وتجوز الشهادة بحد قديم كالشهادة بالقصاص ولأنه قد يعرض للشاهد ما يمنعه الشهادة حينها ثم يتمكن بعد ويقيم الشاهد الشهادة بطلب المشهود له ولو لم يطلبها حاكم لأنها حق للشهود له فاذا طلبه وجب ويحرم كتمان الشهادة بحق آدمى لقوله تعالى «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ».

[مذهب الظاهرية]

قال الظاهرية (٢): وأداء الشهادة فرض على كل من علمها الا أن يكون عليه حرج فى ذلك لبعد مشقة أو لتضييع مال أو لضعف فى جسمه فليعلنها فقط‍ قال تعالى «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» فهذا على عمومه اذا دعوا للشهادة أو دعوا لأدائها ولا يجوز تخصيص شئ من ذلك بغير نص فيكون من فعل ذلك قائلا على الله تعالى ما لا علم له به.

[مذهب الزيدية]

قال الزيدية (٣) ويجب على متحملها الأداء اذا طلب ذلك من له طلبه لكل أحد سواء كان المشهود له مسلما أو كافرا ويجب على الشاهد تكرار الشهادة فى كل وقت حتى يصل صاحبها الى حقه فى القطعى مطلقا كنفقة زوجته الصالحة للوط‍ ء ومصيرها الى بيت زوجها وأنه ممتنع من أداء الحق ظلما فانه يجب أداء الشهادة فى ذلك سواء أدعى الى حاكم محق أم الى غيره وأما اذا كانت


(١) كشاف القناع ح‍ ٤ ص ٢٤٢.
(٢) المحلى ح‍ ٩ ص ٤٢٩.
(٣) شرح الازهار ح‍ ٤ ص ١٨٧ وما بعدها.