للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقدم بيان ذلك، فأولى إذا قتل الأب أم ابنه عمدا.

[حد الابن بالسرقة من أحد أبويه]

قال فقهاء الحنفية لا يحد الابن إذا سرق من أحد أبويه ولو كان المسروق مال غيرهما وليس هذا الحكم خاصا بوصف البنوة والأبوة، بل الأصل فيه أن السرقة من ذى الرحم المحرم لا توجب الحد، لأن حد السرقة - أى قطع اليد - لا يجب إلا بأخذ المال وهتك الحرز، وهتك الحرز هنا غير موجود، لوجود الإذن بالدخول عادة ولهذا يدخل الرحم المحرم من غير استئذان فلا يبقى المال محرزا فى حق السارق، فانتفى شرط‍ القطع وإذا سرق الابن مال أحد أبويه من بيت أجنبى فهل هذه السرقة توجب الحد؟ قالوا: إن سرقة مال ذى الرحم المحرم من بيت غيره توجب القطع لوجود الحرز وهذا بعمومه يفيد أن سرقة الابن مال أحد أبويه من بيت أجنبى توجب القطع ولكن الإمام الزيلعى رضى الله عنه يقول: (وينبغى ألا يقطع فى الولاء لما ذكرنا من الشبهة فى ماله) أى أنه يرى أنه لا قطع فى سرقة الفرع مال أصله ولا فى سرقة الأصل مال فرعه لوجود الشبهة بالنسبة للمال، وإذا سرق الابن من أحد أبويه رضاعا فهذه السرقة توجب الحد وروى عن أبى يوسف رضى الله عنه أن السرقة من الأم رضاعا لا توجب الحد لأنه يدخل عليها من غير استئذان فبينهما انبساط‍ فى دخول المنزل وهذا كاف لدرء الحد، والراجح فى المذهب هو وجوب الحد لأن المحرمية بدون القرابة لا تحترم، ولذلك فإن السرقة من الأخت رضاعا توجب القطع إجماعا، وأيضا فإن الرضاع اشتهاره قليل عادة فلا انبساط‍ بينهما تحرزا عن موقف التهمة، بخلاف الأم من النسب فإن النسب أمر يشتهر، فالانبساط‍ متحقق لا محالة (١).

وقال فقهاء المالكية: إن الابن إذا سرق من أحد أبويه يحد، لضعف الشبهة، ولذلك يحد الابن إذا وطئ جارية أبيه، أما سرقة أحد الأبوين مال الابن فإنها لا توجب الحد للشبهة القوية فى مال الولد، ولذلك لا يحد الأب إذا وطئ جارية ابنه (٢).

وقال فقهاء الحنابلة: لا يحد الابن بسرقة مال أحد أبويه لأن نفقته تجب عليهما فى مالهما حفظا له، فلا يجوز إتلافه حفظا للمال (٣).

وقال فقهاء الشافعية: لا يحد الابن إذا سرق مال أحد أبويه لأن من شروط‍ وجوب الحد عندهم عدم الشبهة فى المال المسروق، فلا قطع بسرقة مال الأصل أو الفرع لما بينهما من الاتحاد (٤)

وقال فقهاء الزيدية: إن الابن إذا سرق من أحد أبويه فإنه يحد (٥).

وهذا هو رأى ابن حزم من فقهاء الظاهرية أيضا، لأنه نص على أن القطع واجب على من سرق من ولده أو من والديه أو من


(١) الزيلعى وحاشيته ج‍ ٣ ص ٢٢٠، الدرر ج‍ ٢ ص ٨٠.
والهداية وفتح القدير ج‍ ٣ ص ٣٢٨، ٢٣٩.
(٢) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج‍ ٤ ص ٣٣٧.
(٣) كشاف القناع ج‍ ٤ ص ٨٤.
(٤) شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج‍ ٤ ص ١٨٨.
(٥) التاج المذهب ج‍ ٤ ص ٢٥١.