للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بغير المدعى عليه بالحق المدعى. وتارة يكون اقراره هكذا قبل تزكية شهود الدعوى.

وتارة يكون بعد التزكية قبل الحكم .. فاذا حصل ذلك فبأى شيئ يقضى القاضى على المدعى عليه؟ أيقضى عليه بالبينة أم يقضى عليه بالاقرار.؟ .. فى المسألة خلاف. قال بعضهم يقضى عليه بالبينة لأنه بانكاره واقامة البينة عليه استحق المدعى الحكم له عليه بينته التى اقامها نتيجة موقفه وانكاره فلا يبطل الحق السابق بالاقرار اللاحق. ولأن زيادة سندى الحكم الى الغير الثابتة بالبرهان حقه فلا يؤثر فيه الاقرار اللاحق بالبطلان وقال بعضهم يقضى عليه بالاقرار لأن البينة لا تكون حجة الا اذا اتصل القضاء بها فهو أقوى منها والعمل بالأقوى واجب .. وانى أميل الى الرأى الأول.

[الاقرار بالزنا]

جاء فى تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى.

أن الزنا (١) يثبت بأقرار الزانى أربع مرات فى أربعة مجالس من مجالس المقر. كلما أقر رده القاضى حتى يتم الاقرار أربع مرات. وذلك لحديث ما عز رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أخر اقامة الحد عليه الى أن تم اقراره أربع مرات فى أربعة مجالس. فلو ظهر دونها لما أقرها لثبوت الوجوب. ولأن الشهادة فى الزنا اختصت بزيادة العدد فكذا الاقرار تعظيما لأمر الزنا. وتحقيقا للمقر .. ولابد من اختلاف المجالس لأن لاتحاد المجلس أثرا فى جميع المتفرقات فعنده يتحقق شبهة الاتحاد فيه. وهو قائم بالمقر فيعتبر مجلسه دون مجلس القاصى. ويرده القاضى كلما أقر. فيذهب حتى يغيب عن نظره فى كل مرة فيما يروى عن أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه لأن النبى صلّى الله عليه وسلّم طرد ماعزا حتى توارى بحيطان المدينة. فان قيل: انما رده عليه الصلاة والسلام قبل أن يتبين له عقله لأنه جاء أشعث أغبر متغير اللون. ولما استبان له عقله رجمه. ألا ترى انه صلّى الله عليه وسلّم قال له: أبك خبل .. أبك جنون .. ؟. فقال:

لا. فسأل عنه فقالوا: ما نعلم فيه الا خيرا ..

وبعث الى أهله يسألهم هل تنكرون من عقله شيئا؟ فقالوا: لا. فسأله عن احصانه فأخبره أنه محصن فرجمه - قلنا: ليس كذلك لأن حاله يدل على كمال عقله اذ هى حالة التوبة والخوف من الله .. لا على جنونه. وقوله عليه الصلاة والسّلام: ابك خبل. أبك جنون تلقين منه لما يدرأ به الحد عنه. كما قال له عليه الصلاة والسّلام: لعلك قبلتها. لعلك باشرتها .. والسؤال عنه كان على سبيل الاحتياط‍ .. والدليل عليه ما قاله أبو بكر الصديق رضى الله عنه بعد ما أقر ثلاث مرات - انك ان اعترفت الرابعة رجمك.

فاعترف الرابعة … وهذا دليل على أن هذا العدد كان معروفا بينهم ظاهرا عندهم .. ألا ترى الى قول أبى بريدة: كنا نتحدث فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ماعزا لو قعد فى بيته بعد المرة الثالثة ولم يقر لم يرجمه .. وصح أن الغامدية رجمها النبى صلّى الله عليه وسلّم بعد ما اقرت اربع مرات … ولا يقال: اذا لم يجب الحد باقراره مرة وجب أن يجب المهر لأنه أقر بوط‍ ء لا يوجب الحد. فاذا وجب المهر وجب أن لا يجب الحد بعد ذلك لأنهما لا يجتمعان - لأنا نقول -


(١) تبيين الحقائق ج‍ ٣ ص ١٦٦ وما بعدها.