للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحيث يمكنه الانتفاع بنصيبه دون نصيب صاحبه، وهاهنا لا يتميز ولا يمكن انتفاع أحدهما بنصيبه منفردا لأنَّهُ إن وضع خشبة على أحد جانبى الحائط كان ثقله على الحائط كله، وإن فتح فيه طاقا يضعفه ضعف كله، وإن وقع بعضه تضرر النصيب الآخر، وإن طلب أحدهما قسمه وأبى الآخَر فذكر القاضي رحمه الله تعالى أن الحكم في الحائط كالحكم في عرصته سواء، ولا يجبر على قسم الحائط إلا أن يطلب أحدهما قسمه طولا، ويحتمل أن لا يجبر على قسمه أيضًا وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنهما إن قطعاه بينهما فقد أتلفا جزءا من الحائط، ولا يجبر الممتنع من ذلك كما لو كان بينهما ثوب فطلب أحدهما قطعه، وإن لم يقطع وعلما علامة على نصفه كان انتفاع أحدهما بنصيبه انتفاعا بنصيب الآخَر، ووجه الأول أنه يجبر على قسم الدار وقسم حائطها المحيط بها وكذلك قسم البستان وحائطه ولا يجبر على القطع المضر بل يعلمه بخط بين نصيبهما ولا يلزم من ذلك انتفاع أحدهما بنصيب الآخَر وأن اتصل به بدليل الحائط المتصل في دارين (١).

[مذهب الظاهرية]

جاء في المحلى أن القسمة جائزة في كل حق مشترك إذا أمكن وعلى حسب ما يمكن، ويجبر الممتنع منهما عليها ويوكل للصغير والمجنون والغائب من يعزل له حقه لما ذكرنا من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعطى كل ذى حق حقه، فوجب أن ينفذ ذلك ويقضى به لكل من طلب حقه (٢). ولا يجوز أن يجبر أحد من الشركاء على بيع حصته مع شريكه أو شركائه ولا على تقاومهما الشئ الذي هما فيه شريكان أصلا كان مما ينقسم أو مما لا ينقسم من الحيوان لكن يجبران على القسمة إن دعا إليها أحدهما أو أحدهم أو تقسم المنافع بينهما إن كان لا تمكن القسمة، ومن دعا إلى البيع قيل له: إن شئت فبع حصتك وإن شئت فأمسك وكذلك شريكك إلا أن يكون في ذلك إضاعة للمال بلا شئ من النفع فيباع حينئذ لواحد كان أو لشريكين فصاعدا إلا أن يكونا اشتركا لتجارة فيجبر على البيع هاهنا خاصة من أباه، برهان ذلك قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ألا أن تكون تجارة عن تراض منكم" (٣) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" فصح بهذا أنه لا يحل أن يخرج مال أحد عن ملكه بغير تراض منه والإِجبار على البيع إخراج للمال عن صاحبه إلى من هو حرام عليه بنص القرآن الكريم والسنة النبوية وهذا ظلم لا شكَّ فيه، فإن قيل: إن في ترك أحدهما البيع ضررا بانتقاص قيمة حصة الآخَر قلنا: لا ضرر في ذلك بل الضرر كله هو أن يجبر المرء على إخراج ملكه عن يده فهذا الضرر هو المحرم لا ضرر إنسان بأن إلا ينفذ له هواه في مال شريكه، وقد وافقنا المخالفون هاهنا على أن من له قطعة أرض أو دار صغيرة إلى جنب أرض أو دار لغيره لو بيعتا معا لتضاعفت القيمة لهما وإن بيعتا متفرقتين نقصت القيمة أنه لا يجبر أحد على ذلك إن أباه


(١) المرجع السابق جـ ٥ ص ٥٣ نفس الطبعة.
(٢) المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى جـ ٨ ص ٢٨ مسألة رقم ١٢٤٨، ١٢٤٩ بتحقيق محمد منير الدمشقى الطبعة الأولى طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة ١٣٥٠ هـ.
(٣) الآية رقم ٤ من سورة النساء.