ابن محمد بن زرارة قال: دخلت مع مسلمة أرض الروم فأتى برجل قد غل فسأل سالما عنه فقال سمعت أبى يحدث عن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه. عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه» … قال فوجدنا فى متاعه مصحفا فسأل سالما عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه. فالمصحف لا يحرق إذا غل، وكذلك لا ينبغى أن تحرق كتب العلم والحديث. ولا يحرق الحيوان لنهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يعذب بالنار إلا ربها، ولحرمة الحيوان فى نفسه ولأنه لا يدخل فى اسم المتاع المأمور بإحراقه.
قال ابن قدامة: وهذا لا خلاف فيه.
ولا تحرق كذلك آلة الدابة أى سرج الدابة ونحوه أيضا، نص عليه أحمد، لأنه يحتاج إليها للانتفاع بها ولأنها تابعة لما لا يحرق، فأشبه جلد المصحف وكيسه قال ابن قدامة: قال الأوزاعى ويحرق سرجه وأكافه (البرذعة). ولا تحرق ثياب الغال التى عليه لأنه لا يجوز تركه عريانا، ولا ما غل من غنيمة المسلمين ويرفع إلى المغنم كما قال الإمام أحمد بن حنبل.
ولا يحرق سلاحه لأنه يحتاج إليه فى القتال، ولا تحرق نفقته لأن ذلك مما لا يحرق عادة، وجميع ذلك أو ما أبقت عليه النار من حديد أو غيره فهو لصاحبه لأن ملكه ثابت عليه ولم يوجد ما يزيله عنه، وإنما عوقب بإحراق متاعه. فما لم يحترق يبقى على ما كان.
قال الإمام أحمد: وإذا استحدث الغال متاعا غير ما كان معه عند الغلول بعد أن رجع إلى بلده، أحرق ما كان معه حال الغلول فقط.
كما قال وإن مات قبل إحراق رحله لم يحرق لأنها عقوبة فتسقط بالموت كالحدود ولأنه بالموت انتقل إلى ورثته فإحراقه عقوبة لغير الجانى وإن باع رحله أو وهبه احتمل ألا يحرق لأنه صار لغيره. فأشبه ما لو انتقل عنه بالموت، واحتمل أن ينقض البيع والهبة ويحرق لأنه تعلق به حق سابق على البيع أو الهبة فوجب تقديمه.
وإن كان الغال صبيا لم يحرق متاعه لأن الإحراق عقوبة وهو ليس أهلا للعقوبة.
وإن كان عبدا لم يحرق متاعه أيضا لأن المتاع لسيده فلا يعاقب سيده بجناية عبده وإن غلت امرأة أو ذمى أحرق متاعهما لأنهما من أهل العقوبة، وإن أنكر الغلول وذكر أنه ابتاع ما بيده لم يحرق متاعه حتى يثبت غلوله ببينة أو إقرار.
الإحراق فى القتال
إحراق حصون الكفار وإرسال
النار عليهم بالمجانيق وغيرها
[مذهب الحنفية]
قال الحنفية (١): لا بأس بأن يحرق المسلمون حصون الكافرين وأن ينصبوا
(١) المبسوط للسرخسى ج ١٠ ص ٣٢ وما بعدها، مطبعة درب سعادة سنة ١٣٢٤، وبدائع الصنائع ج ٧ ص ١٠٠ وما بعدها، مطبعة الجمالية سنة ١٩١٠، والبحر الرائق لابن نجيم ج ٥ ص ٨٢ وما بعدها الطبعة الأولى بالمطبعة العلمية، والفتاوى الهندية ج ٢ ص ١٩٣ وما بعدها، مطبعة بولاق الأميرية الطبعة الثانية. وحاشية ابن عابدين ج ٣ ص ٣١٧.