للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يشترط‍ فى المفتى:

أولا فى الأصول:

وفى المستصفى (١) للغزالى: قال فى المستصفى المجتهد له شرطان:

أحدهما أن يكون محيطا بمدارك الشرع متمكنا من استثارة الظن بالنظر فيها وتقديم ما يجب تقديمه وتأخير ما يجب تأخيره.

والشرط‍ الثانى أن يكون عدلا مجتنبا للمعاصى القادحة فى العدالة.

وهذا يشترط‍ لجواز الاعتماد على فتواه فمن ليس عدلا لا تقبل فتواه أما هو فى نفسه فلا فكأن العدالة شرط‍ القبول للفتوى لا شرط‍ صحة الاجتهاد.

فان قيل متى يكون محيطا بمدارك الشرع وما تفصيل العلوم التى لا بد منها لتحصيل مغصب الاجتهاد قلنا انما يكون متمكنا من الفتوى بعد أن يعرف المدارك المثمرة للأحكام كما فصلناها أربعة الكتاب والسنة والاجماع والعقل.

وطريق الاستثمار يتم بأربعة علوم اثنان مقدمان واثنان متممان وأربعة فى الوسط‍ فهذه ثمانية فلنفصلها ولننبه فيها على دقائق أهملها الأصوليون.

أما كتاب الله عز وجل فهو الأصل ولا بد من معرفته ولنخفف عنه أمرين.

أحدهما أنه لا يشترط‍ معرفة جميع الكتاب بل ما تتعلق به الأحكام منه وهو مقدار خمسمائة آية.

والثانى لا يشترط‍ حفظها عن ظهر قلب بل أن يكون عالما بمواضعها بحيث يطلب فيها الآية المحتاج اليها وقت الحاجة.

وأما السنة فلا بد من معرفة الأحاديث التى تتعلق بالأحكام.

وهى وان كانت زائدة على الوف فهى محصورة وفيها التخفيفان المذكوران اذ لا يلزمه معرفة ما يتعلق من الأحاديث بالمواعظ‍ وأحكام الآخرة.

وغيرها الثانى لا يلزمه حفظها عن ظهر قلبه بل ان يكون عنده أصل مصحح لجميع الأحاديث المتعلقة بالأحكام كسنن أبى داود ومعرفة السنن لأحمد والبيهقى أو أصل وقعت العناية فيه بجميع الأحاديث المتعلقة بالأحكام ويكفيه أن يعرف مواقع كل باب فيرجعه وقت الحاجة الى الفتوى وان كان يقدر على حفظه فهو أحسن وأكمل.

وأما الاجماع فينبغى أن تتميز عنده مواقع الاجماع حتى لا يفتى بخلاف الاجماع كما يلزمه معرفة النصوص حتى لا يفتى بخلافها والتخفيف فى هذا الأصل أنه لا يلزمه أن يحفظ‍ جميع مواقع الاجماع والخلاف بل كل مسألة يفتى فيها فينبغى أن يعلم أن فتواه ليس مخالفا للاجماع أما بأن يعلم أنه موافق مذهبا من مذاهب العلماء أيهم كان أو يعلم أن هذه واقعة متولدة فى العصر لم يكن لأهل الاجماع فيها خوض فهذا القدر فيه كفاية وأما العقل فمقتضى به مستند النفى الأصلى للأحكام فان العقل قد دل على نفى الحرج فى الأقوال والأفعال وعلى نفى الأحكام عنها من صور لا نهاية لها.

أما ما استثنته الأدلة السمعية من الكتات والسنة فالمستثناة محصورة وان كانت كثيرة فينبغى أن يرجع فى كل واقعة الى النفى الأصلى والبراءة الأصلية ويعلم أن ذاك لا يغير الا بنص أو قياس على منصوص فيأخذ فى طلب النصوص

وفى معنى النصوص الاجماع وأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاضافة الى ما يدل


(١) انظر المستصفى من علم الأصول للامام حجة الاسلام أبى حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى ومعه كتاب فواتح الرحموت للعلامة عبد العلى محمد بن نظام الدين الأنصارى بشرح مسلم الثبوت فى أصول الفقه أيضا للامام المحقق الشيخ محب الله بن عبد الشكور ج‍ ٢ ص ٣٥٠، ٣٥١، ٣٥٢، ٣٥٣، ٣٥٤ طبع مطابع المطبعة الأميرية سنة ١٣٥٤ هـ‍ طبعة أولى.