عليه الفعل على الشرط الذى فصلناه فى كتاب السنة عند الكلام على أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المدارك الأربعة فأما العلوم الأربعة التى بها يعرف طرق الاستثمار.
فعلمان مقدمان أحدهما: معرفة نصب الأدلة وشروطها التى بها تصير البراهين والأدلة منتجة والحاجة الى هذا تعم المدارك الأربعة.
والثانى: معرفة اللغة والنحو على وجه يتيسر له به فهم الخطاب العرب وهذا يخص فائدة الكتاب والسنة ولكل واحد من هذين العلمين تفصيل وفيه تخفيف وتثقيل.
أما تفصيل العلم الأول فهو أن يعلم أقسام الأدلة وأشكالها وشروطها.
فيعلم أن الأدلة عقلية تدل لذاتها وشرعية صارت أدلة بوضع الشرع ووضعية وهى العبارات اللغوية ويحصل تمام المعرفة بما ذكرناه فى مقدمة الأصول من مدارك العقول لا بأقل منه فان لم يعرف شروط الأدلة لم يعرف حقيقة الحكم ولا حقيقة الشرع.
ولم يعرف مقدمة الشارع ولا عرف من أرسل الشارع.
ثم قالوا لا بد أن يعرف حدوث العالم وافتقاره الى محدث موصوف بما يجب له من الصفات منزه عما يستحيل عليه وأنه متعبد عبادة ببعثة الرسل وتصديقهم بالمعزات وليكن عارفا بصدق الرسول والنظر فى معجزاته والتخفيف فى هذا عندى أن القدر الواجب من هذه الجملة اعتقاد جازم اذ به يصير مسلما.
والاسلام شرط المفتى لا محالة.
فأما معرفته بطرق الكلام والأدلة المحررة على عادتهم فليس بشرط اذ لم يكن فى الصحابة والتابعين من يحسن صنعة الكلام فأما مجاوزة حد التقليد فيه الى معرفة الدليل فليس بشرط أيضا لذاته لكنه يقع من ضرورة منصب الاجتهاد فانه لا يبلغ رتبة الاجتهاد.
وفى العلم الا وقد فرع سمعة أدلة خلق العالم وأوصاف الخالق وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم واعجاز القرآن الكريم.
فان كل ذلك يشتمل عليه كتاب الله تعالى وذلك محصل للمعرفة الحقيقية مجاوز لصاحبه حد التقليد.
وان لم يمارس صاحبه صنعة الكلام فهذا من لوازم منصب الاجتهاد حتى لو تصور مقلد محض فى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصول الايمان لجاز له الاجتهاد فى الفروع.
أما المقدمة الثانية فعلم اللغة والنحو أعنى القدر الذى يفهم به خطاب العرب وعادتهم فى الاستعمال الى حد يميز بين صريح الكلام وظاهره ومجمله وحقيقته ومجازه وعامه وخاصه ومحكمه ومتشابهه ومطلقه ومقيده ونصه وفحواه ولحنه ومفهومه، والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يبلغ درجة الخليل والمبرد وان يعرف جميع اللغة ويتعمق فى النحو بل القدر الذى يتعلق بالكتاب والسنة ويستوى به على مواقع الخطاب ودرك حقائق المقاصد منه.
وأما العلمان المتممان فأحدهما معرفة الناسخ والمنسوخ من الكتاب الكريم والسنة الشريفة.
وذلك فى آيات وأحاديث مخصوصة والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يكون جميعه على حفظه بكل واقعة يفتى فيها بآية أو حديث فينبغى أن يعلم أن ذلك الحديث وتلك الآية ليست من جملة المنسوخ.
وهذا يعم الكتاب والسنة الثانى وهو يخص السنة معرفة الرواية وتمييز الصحيح منها عن الفاسد والمقبول عن المردود فان ما لا ينقله العدل عن العدل فلا حجة فيه والتخفيف فيه أن كل حديث يفتى به مما قبلته الأمة فلا حاجة به الى النظر فى اسناده وان خالفه بعض العلماء فينبغى أن يعرف رواته وعدالته فان كانوا مشهورين عنده كما يرويه الشافعى عن مالك عن نافع عن