للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دم لقول ابن عباس رضى الله عنه من نسى من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما رواه مالك وغيره بإسناد صحيح.

ولو مر صبى أو عبد بالميقات غير محرم مريدا للنسك ثم بلغ أو عتق قبل الوقوف فلا دم عليه على الصحيح، أفاده البدر ابن شهبة فى العبد، وابن قاسم فيهما فى شرحيهما الكتاب وإن أحرم من جاوز الميقات غير محرم ثم عاد له، فالأصح أنه ان عاد إليه قبل تلبسه بنسك سقط‍ الدم عنه، وإلا بأن عاد بعد تلبسه بنسك ولو طواف قدوم فلا يسقط‍ الدم عنه لتأدى النسك باحرام ناقص، وحيث لم يجب بعوده لم تكن مجاوزته محرمة كما جزم به المحاملي والرويانى (١).

[مذهب الحنابلة]

قال الحنابلة: من جاوز الميقات مريدا للنسك غير محرم فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه أن أمكنه سواء تجاوزه عالما به أو جاهلا علم تحريم ذلك أو جهله، فإن رجع إليه فأحرم منه فلا شئ عليه لا نعلم فى ذلك خلافا وبه يقول جابر بن يزيد والحسن وسعيد بن جبير لأنه أحرم من الميقات الذى أمر بالاحرام منه فلم يلزمه شئ كأنه لم يتجاوزه، وإن أحرم بعد الميقات فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع لما روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «من ترك نسكا فعليه دم» ولأنه أحرم دون ميقاته فاستقر عليه الدم كما لو لم يرجع وفارق ما إذا رجع قبل إحرامه فأحرم منه فإنه لم يترك الإحرام منه ولم يهتكه ولو أفسد من أحرم من دون الميقات حجه لم يسقط‍ عنه الدم لأنه واجب عليه بموجب هذا الإحرام فلم يسقط‍ بوجوب القضاء كبقية المناسك، وإما المجاوز للميقات ممن لا يريد النسك فعلى قسمين:

أحدهما: لا يريد دخول الحرم بل يريد حاجة فيما سواه، فهذا لا يلزمه الإحرام بغير خلاف، ولا شئ عليه فى ترك الإحرام، وقد أتى النبى صلى الله عليه وسلم بدرا مرتين، وكانوا يسافرون للجهاد وغيره فيمرون بذى الحليفة فلا يحرمون ولا يرون بذلك بأسا. ثم متى بدا له الإحرام وتجدد له العزم عليه أحرم من موضعه ولا شئ عليه، هذا ظاهر كلام الخرقى. وحكى ابن المنذر عن أحمد فى الرجل يخرج لحاجته وهو لا يريد الحج فجاوز ذا الحليفة، ثم أراد الحج يرجع إلى ذى الحليفة فيحرم، وبه قال إسحاق.

ولأنه أحرم بعد الميقات فلزمه الدم كالذى يريد دخول الحرم. قال فى المغنى: والأول أصح.

والقسم الثانى: من يريد دخول الحرم إما إلى مكة أو غيرها فهم علي ثلاثة أضرب.

أحدها: من يدخلها لقتال مباح أو من خوف أو لحاجة متكررة فهؤلاء لا إحرام عليهم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة حلالا وعلى رأسه


(١) نهاية المحتاج ج‍ ٣ ص ٢٥٣، ٢٥٤ الطبعة السابقة.