للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مذهب الحنابلة]

يصح الأمان من الإِمام لجميع المشركين لأن ولايته عامة، ويصح أمان أمير لأهل بلدة ولى قتالهم؛ لأن له الولاية عليهم فقط. وإما في حق غيرهم، فهو كالآحاد من الرعية المسلمين. لأن ولايته على قتال أولئك دون غيرهم. ويصح الأمان من إمام وأمير لأسير كافر بعد الإِستيلاء عليه، وليس ذلك لأحد من الرعية إلا أن يجيزه الإِمام، لأن أمر الأسير مفوض إلى الإِمام، فلم يجز الافتيات عليه. وقيل: يصح أمان غير الإِمام للأسير الكافر؛ نص عليه في رواية أبى طالب وقدّمه في المحرر وغيره لقصته زينب في أمان زوجها. وأجاب عنه في المغنى أنه إنما صح بإجازة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويصح أمان أحد الرعية لواحد وعشرة وقافلة وحصن صغيرين عرفا، لأن عمر بن الخطاب أجاز أمان العبد لأهل الحصن. وقيل: يصح لمائة فأقل. فهناك قولان: أحدهما أن يكون الجمع صغيرا عرفا - وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، قيل: وهو الصواب، والثانى: أن يكون مائة فأقل. فلا يصح أمان أحد الرعية لأهل بلدة كبيرة ولا رستاق ولا جمع كبير لأنه يفضى إلى تعطيل الجهاد والافتيات على حق الامام (١). ويشترط أن يكون الأمان من مسلم فلا يصح من كافر ولو كان ذميًا، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم"؛ ولأنه متهم على الإِسلام وأهله، فلم يصح منه كالحربى. كما يشترط أن يكون الأمان من عاقل، لا طفل ولا مجنون؛ لأن كلامه غير معتبر، فلم يثبت به حكم. وأن يكون مختارا فلا يصح من مكره عليه. ويصح من صبى مميز، لعموم الخبر، ولأنه عادل فصح منه كالبالغ. ويصح من العبد لقول عمر: "العبد المسلم رجل من المسلمين يجوز أمانه"، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "يسعى بها أدناهم". ولأنه مسلم عاقل فأشبه الحر. ويصح من الأنثى لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" ولأن زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجارت أبا العاص بن الربيع، وأجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - أمانها. ويصح الأمان من هرم وسفيه، لعموم الحديث السابق (٢). ويصح أمان الأسير بدار الحرب: إذا عقده غير مكره؛ للعموم. وكذا أمان أجير وتاجر في دار الحرب، لعموم الحديث السابق ولا ينتقص الإمام أمان المسلم حيث وقع صحيحا، لوقوعه لازما. إلا أن يخاف خيانة من أعطى له، فينقضه لفوات شرطه، وهو: عدم الضرر (٣).

[مذهب الزيدية]

يعقد الأمان مكلف، سواء كان ذكرًا أم أنثى، حرًا أم عبدًا، وذلك قبل نهى الامام أصحابه عن أن يؤمنوا أحدًا. وقيل: لا يصح أمان المرأة. والوجه عند من قال بصحة أمانها أن زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع، وأن أم هانئ بنت عبد المطلب أجارت رجلين. وإما من أرسل الينا من جهة الكفار فإنه يكون آمنا وإن لم يصدر له أحد من المسلمين أمانا، ولكن لابد له من بينه على أنه رسول (٤) ولا يصح أمان الذمى لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم" فشرط


(١) كشاف القناع جـ ٣ ص ١٠٤ وما بعدها الطبعة السابقة
(٢) كشاف القناع جـ ٣ ص ١٠٤
(٣) كشاف القناع جـ ٣ ص ١٠٥
(٤) شرح الأزهار جـ ٤ ص ٥٥٩.