للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى هذا الأصل لو استأجر انسان طريقا من دار ليمر فيها وقتا معلوما لم يجز فى قياس أبى حنيفة لأن البقعة المستأجرة غير معلومة عن بقية الدار وعندهما يجوز.

ومما يتفرع على ما تقدم أنه لو استأجر علو منزل يبنى عليه لا يجوز فى قياس أبى حنيفة، لأن البناء عليه يختلف خفة وثقلا ومن الثقل ما يضر بالسفل ولا ضابط‍ لذلك فصار المعقود عليه مجهولا بخلاف ما اذا استأجر أرضا ليبنى عليها لأن الأرض لا تتأثر بثقل البناء، وتجوز هذه الاجارة على قول صاحبيه لأن بناء العلو يحدده العرف حينئذ فلا يتناول العقد ما يضر السفل وعلى هذا الأساس يعرف حكم كثير من الفروق المماثلة (١).

[بيان مكان المنفعة]

وأما بيان مكانها فانما يكون فيما يحتاج فيه الى هذا البيان كما فى اجارة الدواب وما يشبهها، اذ أن عدم بيانه يفضى الى النزاع، فاذا استأجر دابة للركوب دون بيان مكان فالاجارة فاسدة الا أن يسمى موضعا معلوما كأن يستأجرها ليركبها الى بلدة كذا، واذا استأجر دابة ليحمل عليها متاعا وجب بيان ما يراد حمل المتاع اليه وبيان المتاع المحمول لأن ما يحمل يختلف خفة وثقلا.

[مدة الاجارة]

وكذلك من عناصر بيانها، بيان مدتها، اذا كانت المنفعة المعقود عليها قابلة للاستمرار والبقاء، اذ أن بيانها حينئذ بذكر اسمها غير كاف للعلم بها علما لا يؤدى الى النزاع اذ أنها فى هذه الحال تكون غير معينة المقدار، وذلك كالاستئجار للسكنى والزراعة واللبس والخدمة واستئجار الأجير الخاص ونحو ذلك، ففى مثل هذه الأحوال يجب ذكر المدة لتكون معيارا لما وقع عليه العقد والمنفعة.

فاذا أغفل ذكر المدة فى هذه الأحوال فسد العقد.

والمدة فى هذه الأحوال يجب اتفاقا أن تكون محددة، وهى اما أن تذكر منكرة كسنة وشهر ويوم أو محددة كسنة كذا أو شهر كذا، فان ذكرت منكرة ابتدأت الاجارة من وقت العقد اذا لم ينص فيه على وقت لابتدائها، ولم يكن فى العقد خيار شرط‍، فان عين فى العقد وقت لبدايتها ابتدأت منه كاستئجار الدار ابتداء من الشهر الآتى، وان كان فى عقد الاجارة خيار شرط‍ ابتدأت من وقت سقوط‍ الخيار، وان ذكرت المدة محددة معينة تقيدت الاجارة بها وانتهت بانهائها، واذا بينت المدة فى العقد على أنها مشاهرة أو مسانهة دون بيان مدة تنته بانتهائها الاجارة وجب بيان أجرة الشهر والسنة فتقع الاجارة حينئذ على الشهر الأول التالى للعقد، فاذا انته كان لكل من العاقدين فسخها قبل مضى اليوم الأول من الشهر التالى بشرط‍ اعلام العاقد الآخر بذلك فاذا مضى اليوم الأول دون فسخ لزمت الاجارة فيه وهكذا، وكذلك الحكم فى المسانهة.


(١) البدائع للكاسانى ج‍ ٤ ص ١٧٩ وما بعدها.