للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن كان مما لا ربا فيه كالقصيل والقطن جاز لأنَّهُ معلوم مشاهد، وإن كان قد انعقد فيه الحب لم يجز لأنا إن قلنا إن القسمة بيع لم يجز لأنَّهُ بيع أرض وطعام بأرض وطعام ولأنه قسمة مجهول ومعلوم وإن قلنا إن القسمة فرز النصيبين لم يجز لأنَّهُ قسمة مجهول ومعلوم (١). وإن كان بينهما عبيد أو ماشية أو أخشاب أو ثياب فطلب أحدهما قسمتها أعيانا وامتنع الآخَر فإن كانت متفاضلة لم يجبر الممتنع وإن كانت متماثلة ففيه وجهان أحدهما - وهو قول أبي العباس وأبى إسحاق وأبى سعيد الاصطخرى رضى الله تعالى عنهم - أنه يجبر الممتنع وهو ظاهر المذهب لأنها متماثلة، والوجه الثاني وهو قول أبى على بن خيران وأبى على بن هريرة أنه لا يجبر الممتنع لأنها أعيان مختلفة فلم يجبر على قسمتها أعيانا كالدور المتفرقة (٢). وإن كان بينهما منافع فأراد قسمتها مهايأة - وهو أن تكون العين في يد أحدهما مدة ثم في يد الآخَر مثل تلك المدة - جاز لأن المنافع كالأعيان فجاز قسمتها كالأعيان، وإن طلب أحدهما وامتنع الآخَر لم يجبر الممتنع، ومن أصحابنا من حكى فيه وجها آخر أنه يجبر كما يجبر على قسمة الأعيان، والصحيح أنه لا يجبر لأن حق كل واحد منهما تعجل فلا يجبر تأخيره بالمهايأة ويخالف الأعيان فإنه لا يتأخر بالقسمة حق كل واحد، فإذا عقدا على مدة اختص كل واحد منهما بمنفعة تلك المدة، وإن كان يحتاج إلى النفقة كالعبد والبهيمة كانت نفقته على من يستوفى منفعته، وإن كسب العبد كسبا معتادا في مدة أحدهما كان لمن هو في مدته (٣).

[مذهب الحنابلة]

جاء فى المغنى والشرح الكبير أنه إذا كان بين شخصين حائط مشترك فأنهدم فطلب أحدهما إعادته وأبى الآخَر فهل يجبر الممتنع على إعادته قال القاضي رحمه الله تعالى: فيه روايتان إحداهما يجبر، نقلها ابن القاسم وحرب وسندى رحمهما الله تعالى، قال القاضي هي أصح، وقال ابن عقيل رحمه الله تعالى: وعلى ذلك أصحابنا وبه قال مالك رضى الله تعالى عنه في إحدى روايتيه، والشافعى في قديم قوليه واختاره بعض أصحابه وصححه لأن في ترك بنائه إضرار فيجبر عليه كما يجبر على القسمة إذا طلبها أحدهما وعلى النقض إذا خيف سقوطه عليهما، ولقول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا إضرار" وهذا وشريكه يتضرران في ترك بنائه. والرواية الثانية: لا يجبر، نقل عن أحمد رضى الله تعالى عنه ما يدلُّ على ذلك وهو أقوى دليلا وهو مذهب أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه؛ لأنَّهُ ملك لا حرمة له في نفسه فلم يجبر مالكه على الإِنفاق عليه كما لو انفرد به ولأنه بناء حائط فلم يجبر عليه كالابتداء، ولأنه لا يخلو إما أن يجبر على بنائه لحق نفسه لو لحق جاره أو لحقيهما جميعا؛ لا يجوز أن يجبر عليه لحق نفسه بدليل ما لو انفرد به، ولا لحق غيره كما لو انفرد به جاره، فإذا لم يكن كل واحد منهما موجبا عليه فكذلك إذا اجتمعا، وفارق القسمة فإنها دفع للضرر عنهما بما لا ضرر فيه والبناء فيه مضرة لما فيه من الغرامة وإنفاق ماله، ولا يلزم من إجباره على إزالة الضرر بما لا ضرر فيه إجباره علي إزالته بما فيه ضرر بدليل قسمة ما في قسمته ضرر، ويفارق هدم الحائط إذا خيف سقوطه لأنَّهُ يخاف سقوط حائطه


(١) المرجع السابق جـ ٢ ص ٣٠٨ نفس الطبعة.
(٢) المرجع السابق جـ ٢ ص ٣٠٨ نفس الطبعة.
(٣) المرجع السابق جـ ٢ ص ٣٠٨ نفس الطبعة.