للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على ما يتلفه فيجبر على ما يزيل ذلك ولهذا يجبر عليه، وإن انفرد بالحائط بخلاف مسألتنا، ولا نسلم أن في تركه إضرارا فإن الضرر إنما حصل بانهدامه وإنما ترك البناء ترك لما يحصل النفع به وهذا لا يمنع الإِنسان منه بدليل حالة الابتداء، وإن سلمنا أنه إضرار لكن في الإِجبار إضرارا ولا يزال الضرر بالضرر، وقد يكون الممتنع لا نفع له في الحائط أو يكون الضرر عليه أكثر من النفع أو يكون معسرا ليس معه ما يبنى به فيكلف الغرامة مع عجزه عنها، فعلى هذه الرواية إذا امتنع أحدهما لم يجبر، فإن أراد شريكه البناء فليس له منعه منه لأن له حقا في الحمل ورسما فلا يجوز منعه منه، وله بناؤه بأنقاضه إن شاء وبناؤه بآلة من عنده، فإن بناه بآلته وأنقاضه فالحائط بينهما على الشركة كما كان لأن المنفعة عليه إنما أنفق على التالف وذلك أثر لا عين يملكها وإن بناه بآلة من عنده فالحائط ملكه خاصة وله منع شريكه من الانتفاع به ووضع خشبه ورسومه عليه لأن الحائط له، وإذا أراد نقضه فإن كان بناه بآلته لم يملك نقضه لأنَّهُ ملكهما فلم يكن له التصرف فيه بما فيه مضرة عليهما، وإن بناه بآلة من عنده فله نقضه لأنَّهُ ملكه خاصة، فإن قال شريكه أنا أدفع إليك نصف قيمة البناء ولا تنقضه لم يجبر لأنَّهُ لما لم يجبر على البناء لم يجبر على الإِبقاء، وإن أراد غير البانى نقضه أو إجبار بانيه على نقضه لم يكن له ذلك على الروايتين جميعًا لأنَّهُ إذا لم يملك منعه من بنائه فلأن لا يملك إجباره على نقضه أولى، فإن كان له على الحائط رسم انتفاع ووضع خشب قال له إما أن تأخذ منى نصف قيمته وتمكننى من انتفاعى ووضع خشبى وإما أن تقلع حائطك لنُعيد البناء بيننا فيلزم الآخَر إجابته لأنَّهُ لا يملك إبطال رسومه وانتفاعه ببنائه وإن لم يرد الانتفاع به فطالبه البانى بالغرامة أو القيمة لم يلزم ذلك لأنَّهُ إذا لم يجبر على البناء فأولى أن لا يجبر على الغرامة إلا أن يكون قد أذن في البناء والإنفاق فيلزمه ما أذن فيه، فأما على الرواية الأولى فمتى امتنع أجبره الحاكم على ذلك فإن لم يفعل أخذ الحاكم من ماله وأنفق عليه وإن لم يكن له مال فأنفق عليه الشريك بإذن الحاكم أو إذن الشريك رجع عليه متى قدر، وإن أراد بناءه لم يملك الشريك منعه، وما أنفق إن تبرع به لم يكن له الرجوع به، وإن نوى الرجوع به فهل له الرجوع بذلك؟ يحتمل وجهين بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه، وإن بناه لنفسه بآلته فهو بينهما، وإن بناه بآلة من عنده فهو له خاصة، فإن أراد نقضه فله ذلك إلا أن يدفع إليه شريكه نصف قيمته فلا يكون له نقضه لأنَّهُ إذا أجبر على بنائه فأولى أن يجبر على إبقائه (١). فإن لم يكن بين ملكيهما حائط قديم فطلب أحدهما من الآخَر مباناته حائطا يحجز بين ملكيهما فامتنع لم يجبر عليه رواية واحدة، وإن أراد البناء وحده لم يكن له البناء إلا في ملكه خاصة لأنَّهُ لا يملك التصرف، في ملك جاره المختص به ولا في الملك المشترك بغير ماله فيه رسم وهذا لا رسم له، ولا أعلم في هذا خلافا (٢). فإن كان السفل لرجل والعلو لآخر فانهدم السقف الذي بينهما طلب أحدهما المباناة من الآخَر فامتنع فهل يجبر الممتنع على ذلك


(١) المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسن بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ ٥ ص ٤٥ وما بعدها إلى ص ٤٧ في كتاب أسئلة الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الثانية طبع مطبعة المنار بمصر سنة ١٣٤٧ هـ.
(٢) المرجع السابق جـ ٥ ص ٤٧ نفس الطبعة.