للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على روايتين كالحائط بين البيتين، وللشافعى رضى الله تعالى عنه قولان كالروايتين، وإن انهدمت حيطان السفل فطالبه صاحب العلو بإعادتها فعلى روايتين إحداها: يجبر وهو قول مالك وأبى ثور وأحد قولى الشافعي، فعلى هذه الرواية يجبر على البناء وحده لأنَّهُ ملكه خاصة، والرواية الثانية: لا يجبر، وهو قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، وإن أراد صاحب العلو بناءه لم يمنع من ذلك على الروايتين جميعًا، فإن بناه بآلته فهو على ما كان وإن بناه بآلة من عنده فقدروى عن أحمد رضى الله تعالى عنه لا ينتفع به صاحب السفل، يعنى حتَّى يؤدى القيمة فيحتمل أن لا يسكن - وهو قول أبى حنيفة - لأن البيت إنما يبنى للسكنى فلم يملكه كغيره، ويحتمل أنه أراد الانتفاع بالحيطان خاصة من طرح الخشب وسمر الوتد وفتح الطاق، ويكون له السكنى من غير تصرف في ملك غيره - وهذا مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه - لأن السكنى إنما هي إقامته في فناء الحيطان من غير تصرف فيها فأشبه الاستظلال بها من خارج، فأما إن طالب صاحب السفل بالبناء وأبى صاحب العلو ففيه روايتان إحداهما: لا يجبر على بنائه ولا مساعدته - وهو قول الشافعي - لأن الحائط ملك صاحب السفل مختص به فلم يجبر غيره على بنائه ولا المساعدة فيه كما لو لم يكن عليه علو. والرواية الثانية: يجبر على مساعدته والبناء معه - وهو قول أبى الدرداء رضى الله تعالى عنه - لأنَّهُ حائط يشتركان في الانتفاع به أشبه الحائط بين الدارين (١). فإن كان بين البيتين حائط لأحدهما فانهدم فطاب أحدهما من الآخَر بناءه أو المساعدة في بنائه فامتنع لم يجبر لأنَّهُ إن كان الممتنع مالكه لم يجبر على بناء ملكه المختص به كحائط الآخر، وإن كان الممتنع الآخَر لم يجبر على بناء ملك غيره ولا المساعدة فيه، ولا يلزم على هذا حائط السفل حيث يجبر صاحبه على بنائه مع اختصاصه بملكه لأن الظاهر أن صاحب العلو ملكه مستحق لإِبقائه على حيطان السفل دائما فلزم صاحب السفل تمكينه مما يستحقه وطريقة البناء فلذلك رجب، بخلاف مسألتنا، وإن أراد صاحب الحائط بناءه أو نقضه بعد بنائه لم يكن لجاره منعه لأنَّهُ ملكه خاصة، وإن أراد جاره بناءه أو نقضه أو التصرف فيه لم يملك ذلك لأنَّهُ لا حق له فيه (٢). ومتى هدم أحد الشريكين الحائط المشترك أو السقف الذي بينهما نظرت فإن كان إنما هدمه لأنَّهُ خيف سقوطه ووجب هدمه فلا شئ على هادمه ويكون كما لو انهدم بنفسه لأنَّهُ فعل الواجب وأزال الضرر الحاصل بسقوطه، وإن هدمه لغير ذلك فعليه إعادته سواء هدمه لحاجة أو غيرها وسواء التزم إعادته أو لم يلتزم لأن الضرر حصل بفعله فلزمه إعادته (٣). فإن كان بينهما نهر أو قناة أو دولاب أو ناعورة أو عين فاحتاج إلى عمارة ففى إجبار الممتنع منهما روايتان، وَحُكِىَ عن أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه أنه يجبر هاهنا على الإنفاق لأنَّهُ لا يتمكن شريكه من مقاسمته فيضر به بخلاف الحائط فإنه يمكنهما قسمة العرصة، والأولى التسوية لأن في قسمة العرصة إضرارا بهما والإِنفاق أرفق بهما فكانا سواء، والحكم في الدولاب والناعورة كالحكم في الحائط على ما ذكرناه، وأما البئر والنهر فلكل واحد منهما


(١) المرجع السابق جـ ٥ ص ٤٧ نفس الطبعة.
(٢) المرجع السابق جـ ٥ ص ٤٧، ص ٤٨ نفس الطبعة.
(٣) المرجع السابق جـ ٥ ص ٤٨، ص ٤٩ نفس الطبعة.